الحماوة السياسية التي عاش اللبنانيون فصولها بقلق في الأيام القليلة الماضية، التي أعقبت الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، بدأت مطلع هذا الأسبوع بالانحسار التدريجي، وقد عبر اللقاء الحواري بين تيّار المستقبل وحزب الله الذي انعقد مساء أول من أمس بناء على اصرار الطرفين، كذلك انعقاد طاولة الحوار الوطني وما جری خلاله من حوار هادئ بين الفرقاء المعنيين بعيداً عن الأهداف المتسارعة في المنطقة عن هذا الانحسار، لكن السؤال الأساس بقي معلقاً وبكلام أصح بقي بلا جواب وهو المتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وهل فتح الباب مجدداً أمام التسوية أو أمام مبادرة زعيم تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري بترشيح أحد قيادات قوى 8 آذار الأساسيين لرئاسة الجمهورية، تحت عنوان عريض هو إنقاذ الجمهورية التي تترنح تحت وطأة الخلاف المستحكم بين قوى 8 آذار وقوى الرابع عشر منه حول الأولويات المطروحة من جهة وبسبب تدخل قوى خارجية كإيران على سبيل المثال ليبقى لبنان مرتبطاً بأزمات المنطقة وإستخدامه ورقة للتفاوض على الدور وعلى الأحجام والنفوذ من جهة ثانية.
الحراك الداخلي وحتى الخارجي الذي عبر عن نفسه في اجتماعات باريس بين الحريري ومرشحه لرئاسة الجمهورية الذي لم يصبح بعد رسمياً يدل على ان البحث عن تسوية لانتاج رئيس جمهورية بمعزل عن تطورات المنطقة قد استؤنف بعد انقطاع، ومع استئنافه تتجدد الآمال بإمكان إختراق الحاجز الإيراني إذا صح التعبير وتحويل اقتراح التسوية الحريرية إلى واقع ملموس الأمر الذي دفع برئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى التلويح بصورة جدية بإمكان ترشيح أو تبني ترشيح المرشح الوحيد لحزب الله العماد ميشال عون، ربما يكون الهدف من وراء هذا التلويح بمثابة ردّ على إصرار حليفه زعيم التيار الأزرق على المضي في مبادرة ترشيح النائب فرنجية بالرغم من تبلغه معارضة القوات والكتائب وعدد من النواب المسيحيين المستقلين لهذا الترشيح وذلك بهدف حمله على التخلي عن هذا الإصرار والبحث عن تسوية أخرى، وربما يكون هدفه خلط الأوراق من جهة وكشف أوراق حزب الله ومدى تمسكه بترشيح عون من جهة ثانية.
وبصرف النظر عما إذا كان هذا التحليل يقارب الواقع أم لا، فإن الحياة بعثت مجدداً في التسوية أو المبادرة الحريرية، وعادت الاتصالات بين القوى السياسية تستعيد حرارتها التي تراجعت بعد التطورات السعودية – الإيرانية، وكان الجميع وصل إلى قناعة بوجوب الاستفادة من كل ما يجري في الإقليم من تطورات والعودة إلى لبننة الاستحقاق الرئاسي وليس إلى تركه في أيدي القوى الإقليمية أو في أيدي القوى الخارجية الحريصة على أن يبقى لبنان مستقراً وآمناً أكثر من حرصها على أن ترى رئيس جمهورية يوحد اللبنانيين وراءه، ويعزز الاستقرار والأمن ويدفع في اتجاه إعادة انتظام المؤسسات الدستورية التي تشكو حالياً من شلل شبه كامل، سواء على صعيد السلطة الاجرائية أو على صعيد السلطة التشريعية وحتى على كل الصعد الأخرى، غير أن العناصر المطلوبة للبننة هذا الاستحقاق لا يبدو انها متوفرة حتى الآن في ظل مصادرة إيران للدولة اللبنانية بواسطة حزب الله وتمسكها به كورقة في سوق المفاوضاتت بعد ما خسرت الورقة السورية وربما الورقة العراقية أيضاً وتحول دورها من الهجوم إلى الدفاع والتمسك بما تبقَّى عندها من أوراق.