لعل كثراً بات عليهم ان يعيدوا الحسابات في شأن ظاهرة طالعة ومتدرجة في السلوكيات الضاغطة لكل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” المتصلة بتحريك الانصار والقواعد الشعبية على خلفية ملفات عرسال والتعيينات والانتخابات الرئاسية. لم تعد المسألة في ظل ما يحصل في البقاع الشمالي من معالم تعبئة قتالية للعشائر الشيعية على يد الحزب أو في الرابية مع محطات تحشيد الانصار العونيين مجرد “عودة” الى القواعد الشعبية فقط ما دام الفريقان لا يخفيان الخط البياني العريض في التحفز لذاك “الشيء” المجهول – المعلوم الذي يهول به من خلف الأبواب.
نذهب في “الظن” الى ان معالم التعبئة هذه بدأت ترسم ملامح انتقالية في الأنماط المتبعة لدى الحليفين لوصل الضغوط السياسية بامتدادات شعبية وميدانية. لا نثير ذلك من واقع التطورات الداخلية وحدها التي وضعت معها حكومة الرئيس تمّام سلام بين نيران الحصار تحت وطأة التهديد بفرطها أو شلّها واستباحة البلاد لفراغ دستوري شامل. بل ان البعد الاخطر لهذه “النقلة” المحمومة ما كان ليتخذ جديته لولا انها موصولة بترددات الانهيارات
السريعة المتعاقبة للنظام السوري المرشحة لأن تتحول زلزالا سيهتز لبنان على وقعه القوي اكثر من كل الدول المحيطة بسوريا.
لعل الخطأ الفادح هنا ان يقلل خصوم التحالف الثنائي خطورة اللحظة الآتية خصوصا بالنسبة الى “حزب الله”. على رغم كل الحسابات الباردة لدى بعضهم لا ترانا نجد الحزب لا يمضي الى قلب الطاولة بشكل ما في خضم هذا الزلزال غير المتصور ولا ينبغي اطلاقاً تقليل قدرته على ذلك. لكن الخطأ الاشد فداحة يترتب على الحزب وحليفه العوني إن هما قللا أيضاً خطورة التوهج لدى فئات لبنانية واسعة حيال اي استعادة نزعات انقلابية على ارض حارقة. لم تكن مسألة طرح استفتاءات شعبية للانتخابات الرئاسية أو تحكيم “الشعب” إلا الوجه المكمّل لوضع البلاد أمام مفترق خارج عن السكة الدستورية بما يعمم مناخ التهويل باطاحة انقلابية بالنظام. مثل هذا المناخ عرف لبنان نماذج سابقة له معروفة النتائج ومحسومة سلفاً لا تزال تجرجر خسائرها المدمرة حتى الآن ولم يكن هناك آنذاك عالم عربي يتهاوى وينهار وينفجر كما اليوم في جحيم حرب مذهبية طاحنة لم يشهد التاريخ مثيلا لها. أفلا يثير ذلك ما يتجاوز الغرابة المذهلة أمام هذه العودة الى تجريب المجرب؟ وماذا لو اطلق ذلك العدوى في كل انحاء الجمهورية الشاغرة الرأس والمؤسسات إلا من حكومة مهدّدة بالشلل وعالقة “على صوص ونقطة”؟
ثم أخيراً من قال إن هذه هي الوصفة الناجعة لمحاربة التكفيريين؟