هل بات قرار مجلس الأمن الرقم 2254 الصادر في شأن سورية في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015، أي قبل زهاء 8 أشهر، طي النسيان، وصار البحث بين الولايات المتحدة وروسيا في آليات إدارة الحرب في بلاد الشام، بديلاً منه، أم أن أولوية محاربة «داعش» لدى واشنطن، ومحاولة إنهاء سيطرته على الموصل والرقة وبعض المناطق السورية الأخرى تقود إلى تعليقه موقتاً إلى حين نضوج ظروف التسوية السياسية في بلاد الشام؟
من يراجع نصوص القرار الأممي، ثم نصوص مشروع الاتفاق الذي عرضته واشنطن على موسكو حول إقامة «المجموعة التنفيذية المشتركة» لتنسيق الضربات الجوية على «داعش» و»جبهة النصرة» ولما سماه جون كيري تثبيت «وقف العمليات العدائية» الذي توصل إليه الروس والأميركيون في شباط (فبراير) الماضي، يستنتج أن القرار الدولي كمرجعية لمعالجة الأزمة السورية يتآكل ويفرغ من مضمونه.
ليس هذا الانطباع وليد المحاولة الراهنة الجارية بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف للاتفاق على صيغة مشتركة للتدخل العسكري الجوي في سورية فحسب. فبعد كل من اللقاءات الثلاثة التي عقدها كيري منذ شباط الماضي مع الرئيس فلاديمير بوتين، كانت النتيجة سعي الولايات المتحدة وروسيا إلى معالجات موضعية وميدانية لوقائع الحرب الدائرة، واستدراكاً أميركياً للضجة التي يثيرها حلفاء واشنطن الأوروبيون والعرب، إزاء غياب أي رادع لانفلات آلة القتل التابعة للنظام السوري والميليشيات الإيرانية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة، وضد المدنيين ضحايا البراميل المتفجرة والقصف الجوي الروسي وحصار التجويع، والتغيير الديموغرافي، تحت ستار المحاربة المزعومة لـ «داعش». وللمرء أن يتصور ماذا كان حل بـ «داعش»، لو أن أطنان القذائف الجوية الروسية وبراميل النظام وقصف طائراته، والاقتحامات التي نفذها الإيرانيون وسائر الميليشيات المدعومة منهم و»حزب الله»، استخدمت في الرقة ودير الزور وغيرها من المناطق، بدلاً من داريا ودوما وغوطة دمشق وإدلب… وأخيراً ريف حلب وأحيائها الشرقية. فهذا التحالف اكتفى بتحرير تدمر وبطريقة استعراضية، تنسج الروايات الكثيرة حول كيفية انسحاب مقاتلي التنظيم باتفاق مسبق منها، لينسب أطرافه إلى أنفسهم نصراً على التنظيم الإرهابي، مقابل تخبط التحالف الغربي وواشنطن في محاولة طرده من منبج والحدود العراقية السورية مع «قوات سورية الديموقراطية» أو «قوات سورية الجديدة».
نجحت موسكو في تحويل الحاجة الأميركية إلى التخلص من «داعش» بعد تلكؤ منها، إلى ورقة على الإدارة الديموقراطية أن تدفع ثمنها، إذا أرادت أن تنهي سيطرة التنظيم في العراق قبل الانتخابات الرئاسية، لقطع الطريق على إفادة دونالد ترامب من تصاعد الهجمات الإرهابية في أوروبا وأميركا، على حساب هيلاري كلينتون. والثمن هو القبول بتمديد بقاء الأسد في السلطة، خلافاً لمرجعية قرار جنيف 2012 بقيام حكم انتقالي كامل الصلاحية، وتشريع التدخل العسكري الروسي عبر الاتفاق الذي يجري إنجاز تفاصيله بين كيري ولافروف، لتنسيق الغارات الجوية في سورية وتقاسم المعلومات مع موسكو حول خريطة انتشار كافة الفصائل المسلحة الميدانية.
قد يرى البعض في التفاهم الثنائي على تقييد حركة الطيران التابع للنظام السوري عبر وجوب إبلاغ واشنطن مسبقاً بهذه الحركة، مكسباً يوقف القصف الإجرامي ضد المدنيين والمستشفيات، إلا أن جيش النظام لم يثبت في أي مرة التزامه بذلك، فضلاً عن أن هذا التقييد سيتم بعد تشديد الحصار على شرق حلب، تمهيداً لإخراج مقاتلي الفصائل المعتدلة منها وتحويل المدنيين إلى عامل ضغط على المعارضة.
هكذا يتحول تنفيذ الفقرتين 12 و13 من القرار الدولي «بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة والإفراج عن المحتجزين»، و»بوقف الهجمات ضد المدنيين والمرافق الطبية»… منّة من الجانب الروسي والنظام. بدلاً من التقيد بالفقرة الخامسة التي «يسلم» فيها مجلس الأمن «بالصلة الوثيقة بين وقف النار وانطلاق عملية سياسية موازية» وبتكليف ستيفان دي ميستورا بالسعي إلى وقف النار… فإن المبعوث الدولي بات يعتقد أن «التقدم في تحسين الموقف على الأرض ليس شرطاً مسبقاً للمحادثات» وبالتالي فإن ربط استئناف التفاوض بوقف النار ليس واقعياً.
في كل مرحلة تحصل تفاهمات أميركية روسية يجري غض النظر عن بند أو أكثر من بنود القرار 2254، بحيث يصبح رجحان كفة موسكو في إدارة الملف السوري استناداً إلى تطورات الميدان، نقيضاً لمقولتها التزام الشرعية الدولية. أما حجة إدارة باراك أوباما اللجوء إلى الغطاء الدولي لأي تدخل عسكري يهدد الأمن، بدل التدخل الأحادي الجانب، فتصبح تجويفاً للتوافقات على مستوى مجلس الأمن.