اللبنانيون في حيرة يتساءلون كيف سيكون شكل اتفاق وقف إطلاق النار ووقعه في خضم الأيام النارية الملتهبة أمس، وكيف سيكون وقعه على مناصري الطرف الذي سينسحب من أرضه، في وقت اعلن هؤلاء النصر وسط النار والدخان الذي لم يخمد بعد؟ وكيف سيتعامل هؤلاء مع لجنة دولية ترأسها أميركا تراقبه إذا عاد للتسلّح مع إعطاء كامل الحق لإسرائيل بضربه عسكرياً إذا لم ينفّذ الاتفاق؟ وكيف يضمن عدم انحيازها؟ وفي المقلب الآخر يتساءل الغالبون «افتراضياً» وهم طرفان لا يعلم أي منهما إذا ما كان غالباً أو مغلوباً! إذا كان مضمون الاتفاق بين «حزب الله» وإسرائيل برعاية أميركية يخدم مصلحة الدولة اللبنانية أم مصالح الغير؟ وهل الاتفاق الذي يقضي بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان خلال 60 يوماً ليتسنّى للجيش اللبناني السيطرة على تلك المناطق، يؤمّن الحماية لعناصر الجيش في تلك المناطق؟ وفي المقابل، هل المناطق التي سينتقل إليها مقاتلو «حزب الله» مع أسلحتهم الثقيلة للتمركز فيها ستكون مناطق آمنة بالنسبة لسكان تلك المناطق؟ ويتساءل اللبنانيون، هل من غطاءٍ كافٍ لعناصر الجيش اللبناني المطلوب منهم وخلال 60 يوماً تدمير البنى التحتية المتبقية لـ»حزب الله» حتى حدود نهر الليطاني؟
ويبقى هاجس اللبناني الأهم «الغالب والمغلوب»، كيف سيتعامل جمهور «حزب الله» مع هذا الانسحاب، وهل سيفسّر قبول الحزب بالإتفاق من قبلهم على أنّه تنازل أم انتصار؟ وماذا عن موقف خصوم الحزب الذين كانت أقسى تمنياتهم نزع سلاح «حزب الله» بالكامل! هل ما زالوا يتأملون بتنفيذ مندرجات القرار 1701 وتطبيق الـ 1959، أم رضخوا «للاتفاق الغامض» وفق تعبير مصادر مقرّبة منهم؟!
المراقبة «استعانة بالذكاء الاصطناعي»
المصادر المتابعة تفيد بأنّه وبعد تنفيذ هذا الاتفاق، تمّ إنشاء لجنة مكونة من خمس دول يقضي دورها مراقبة مراحل تنفيذه والتأكّد من تطبيقه بالكامل بل يُحكى عن فرضه. فإذا فشلت اللجنة في إلزام الحزب بالتطبيق سيكون لإسرائيل حرّية التصرف بحراً وجواً وبراً شرط الحصول على الموافقة الأميركية. وفي هذا البند استباحة فاضحة لسيادة لبنان. فماذا عن عودة «حزب الله» إلى إطلاق صواريخه في حال نفّذت إسرائيل هذا البند؟
أسئلة كثيرة تشغل بال اللبنانيين المتوجسين من غموض يتضمن هذا الاتفاق، وبأسرار تكمن في تفاصيله…
وعن نقاط الاتفاق الحساسة، موافقة الولايات المتحدة على إعطاء إسرائيل مذكرة ضمانات خطية تتضمن دعم العمل العسكري الإسرائيلي ضدّ التهديدات في الأراضي اللبنانية، والعمل على تعطيل إعادة الوجود العسكري لـ«حزب الله» بالقرب من الحدود أو تهريب الأسلحة الثقيلة. وفي حال لم يتعامل الجيش اللبناني مع هذه التهديدات ستتعامل معها إسرائيل على طريقتها.
ويجوز السؤال، ماذا لو اكتشفت «اليونيفيل» أو الجيش وجود سلاح أو ذخيرة لـ»حزب الله»، هل سيتمكن من وضع يده عليها، وإذا لم يفعل هل ستفرض عليه الولايات المتحدة المترئسة للّجنة بأمر منها أن يتدخّل؟! وهل من ضمانة لتداعيات تدخّله؟
وفي السياق، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» عن أشكال «المراقبة» على مسار تنفيذ الاتفاق، وفنّدتها كالتالي: جواً براً وبحراً عبر أقمار صناعية عسكرية وعبر سفن حربية، وطلعات جوية غير معلن عنها عبر مشاركة روسية ومراقبة داخلية على جانبي الليطاني ومراقبة خارجية على الحدود لمنع وصول إمدادات عسكرية وعبر تركيب أبراج مراقبة وتعزيز عدد الموجود منها على المعابر وضبط حركة المطار والمرافئ الشرعية وغير الشرعية. وكشفت تلك المصادر، أنّه سيكون للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الدور الكبير والأهم بتعزيز عملية المراقبة لدى الاستخبارات العسكرية الأميركية، وذلك في مراقبة ومكافحة تهريب الأسلحة إلى حزب الله.
تساؤلات؟
وبالعودة إلى جوهر الاتفاق الذي يخشاه الغالب والمغلوب في إسرائيل وفي لبنان، وبعيداً عن التفاؤل الإعلامي والشعبي، يجزم العارفون بخفايا الإتفاق، بأنّه تمّ عملياً بين إيران والولايات المتحدة وليس بين لبنان وإسرائيل أو بين الحزب وإسرائيل! ويتساءل هؤلاء ما هو الثمن الذي قد تحصل عليه إيران لإعطائها الضوء الأخضر لـ«حزب الله» للموافقة والالتزام باتفاق يجبرها على الانسحاب من جنوب الليطاني إلى بعد بعد شماله؟ وإذا كان الطرفان يعتبران أنّ الكلمة للميدان فليس الميدان هو من تكلم لفرض الاتفاق المطروح. فإسرائيل لم تتمكن من نزع سلاح الحزب، ولم تحتل الجنوب ولم تُعد المستوطنين، ولا صواريخ الحزب تمكنت من حصد آلاف الضحايا في إسرائيل وهدم القرى، كما لم تتمكن من ضرب أنظمتها القتالية المتطورة؟
وتبقى الأسئلة الأهم التي يتوجس منها «الغالب والمغلوب»:
– من يضمن عدم عودة الحزب إلى جنوب الليطاني بعد انسحابه وسحب أسلحته المتوسطة والثقيلة وبعد تفجير أنفاقه (إذا تمّ ذلك )؟
– هل يضمن «حزب الله» لجنة مراقبة «حيادية»؟
– هل سيكون الاتفاق خطياً، ومن هي الجهة اللبنانية المختصة التي ستوقّع عليه؟
– كيف تستطيع الحكومة اللبنانية أن تلزم «حزب الله» باحترام تنفيذ الاتفاق؟
– ما هي عواقب عدم تنفيذ «حزب الله» للاتفاق على الحزب وعلى لبنان؟
– كيف تضمن إسرائيل عدم إعادة تسليح «حزب الله» لاحقاً؟ بخاصة انّ الاتفاق لم يتحدث عن نزع سلاحه بل عن نقل سلاحه إلى ما بعد شمال نهر الليطاني؟
– ما هي ضمانة «حزب الله» بعدم طلب الجانب الاسرائيلي لاحقاً بتطبيق مندرجات البند الثالث من القرار 1701، التي عاد وذكرها في الاتفاق، أي تنفيذ القرار 1559 المتعلق بنزع سلاحه كلياً؟
– كيف يضمن «حزب الله» أنّ اسرائيل ستوقف استهداف قادته ووقف عمليات الاغتيال ومن سيحاسبها لو فعلت؟
– كيف يضمن «حزب الله» دوراً لمقاومته بعد انتقاله إلى شمال الليطاني، وهو الأمر الذي يبدو انّ نواب الحزب يتوجسون من تداعياته في المعادلة الداخلية، بحيث سارع رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد وفي اليوم التاريخي للإعلان عن وقف اطلاق النار، التشديد على أهمية محافظة الحكومة اللبنانية على «الشعار المقدّس» «الجيش الشعب والمقاومة»، الذي برأيه حفظ سيادة وكرامة وأمن لبنان!