في ظلّ تواصل المعارك الحدودية بين حزب الله والعدو الاسرائيلي الذي يقوم بمحاولات فاشلة للتوغّل البرّي الى المناطق الجنوبية، وعدم ذهاب الأطراف المعنية الى تطبيق بنود البيان الدولي المشترك، الذي نصّ على وقف إطلاق النار في لبنان لمدة ثلاثة أسابيع… تقوم الدول الأوروبية لا سيما فرنسا وبريطانيا بمساعٍ جديّة، وفق المعلومات، للتوصّل الى مبادرة جديدة تفضي الى وقف إطلاق النار في غزّة ولبنان، وإجراء صفقة تبادل الأسرى، انطلاقاً من أنّ هذه الدول تخشى كثيراً من توسّع الصراع في الشرق الأوسط اليها، ومن “عواقب كارثية على المنطقة”. ونقل موقع “والا” العبري عن مصادر “إسرائيلية” أنّ رئيس “الموساد” ديدي بارنيع سلّم رسالة الى رئيس وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، تضمّنت شروطاً لوقف الحرب في لبنان. وأوضح الموقع العبري أنّ “إسرائيل” اشترطت لأي اتفاق مستقبلي لوقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان، اتفاق تبادل الأسرى مع حركة حماس في غزّة.
وتقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة انّ كلّاً من فرنسا وبريطانيا تتحرّك ضمن هذا السياق، تزامناً مع انعقاد مجلس الأمن الدولي مساء أمس، سعياً الى ما سُمي بـ “مبادرة جديدة” لوقف إطلاق النار في غزّة ولبنان، وإنجاز صفقة تبادل الأسرى المحتجزين لدى حماس، لا سيما مع عدم التزام الأطراف المتصارعة بالنداء الدولي المشترك لوقف إطلاق النار في المنطقة.
كذلك ثمّة خشية من الردّ الإيراني على الردّ، على ما أضافت الاوساط الديبلوماسية، الأمر الذي يمكن أن يُدخل المنطقة ككلّ في حرب شاملة، سبق وأن حذّرت الدول الأوروبية والغربية من الوصول اليها. من هنا، دخلت بريطانيا أخيراً على خط المناداة بخفض التصعيد في لبنان، مع تحرّك وزير خارجيتها ديفيد لامي في اتجاه المنطقة. وهو يزور حالياً البحرين والأردن بهدف مطالبتهما بالضغط على المعنيين في لبنان للموافقة على وقف إطلاق النار، كما تحدّث عن ضرورة ضبط النفس (في إشارة الى “إسرائيل”)، داعياً الى وقف إطلاق النار في غزّة وفي لبنان، والذهاب الى حلّ سياسي وديبلوماسي لإنهاء الصراع. فبريطانيا تخشى من جهة الإنخراط في هذه الحرب من خلال المشاركة في الدفاع عن “إسرائيل”، ومن حصول نقص في مادة النفط لديها، سيما أنّ إيران تحتلّ المرتبة السابعة عالمياً بين الدول المصدّرة للبترول.
وتساءلت الأوساط نفسها ما اذا كانت “إسرائيل” قد غيّرت استراتيجيتها فعلاً من خلال الشروط التي يتمّ التداول بها، لا سيما بعد أن تيقّنت أنّ التوغّل البرّي الى المنطقة الجنوبية كلفته باهظة الثمن، سيما أنّها تتكبّد اليوم خسائر عسكرية وبشرية كبيرة، أثناء محاولات دخول جنودها الى الجنوب اللبناني عبر مداخل عديدة. كما أنّها تأكّدت من أنّها لن تتمكّن من إنهاء المسألة خلال أيام معدودة، على ما سبق وأعلنت عن أنّها ستقوم بتوغّل برّي محدود ولأيام قليلة.
ويبدو أنّ الشروط التي تقدّمها “إسرائيل” من خلال ربط وقف إطلاق النار في لبنان، بإنجاز صفقة تبادل الرهائن في غزّة، تهدف الى الضغط على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار من خلال حليفيه حزب الله وإيران، رغم أنّ الربط بين الجبهتين يهدف الى وقف إطلاق النار في كلّ من لبنان وغزّة. فالسنوار سبق وأن اشترط أن تشمل صفقة تبادل الاسرى، وقفا دائما لإطلاق النار في غزّة، والذهاب الى الحلّ السياسي. لهذا من الصعب أن يوافق على إطلاق سراح الرهائن، والتي يعتبرها ورقة رابحة بيده، ليقتصر وقف إطلاق النار على جبهة دون سواها، أو فرض شروط تعجيزية على الغزّاويين سبق وأن رفضتها حماس.
وأكّدت الأوساط الديبلوماسية أنّ “إسرائيل” تحاول مجدّداً تعقيد الأمور، كونها ترفض الذهاب الى المفاوضات لأنّها تعتبر نفسها “منتصرة حالياً ما يؤهّلها الى فرض شروطها”. كما تُحاول عن طريق خططها المستنبطة ربط الساحات التي تفتح معها النار اليوم، من أجل تحقيق أهدافها، وعلى رأسها هدف إطلاق سراح الأسرى. إلّا أنّها وضعت هدفها هذا جانباً عندما قرّرت توسيع عدوانها على لبنان، وأعلنت عن أهداف جديدة منها الدخول الى الأراضي اللبنانية في الجنوب، لإبعاد عناصر حزب الله بهدف تأمين أمن المستوطنات، غير أنّها لم تتمكّن من تحقيق هذا الأمر، بفعل صدّ المقاومين بشراسة لمحاولاتها المتكرّرة.
أمّا الهمّة الدولية بشأن وقف إطلاق النار في لبنان وغزّة، وفق الأوساط، فتأتي أيضاً من فرنسا التي تتحضّر لعقد المؤتمر الدولي الوزاري في باريس في 24 تشرين الأول الجاري، ويقول سفيرها في الأمم المتحدة انّ “تصدير الأسلحة وامتداد الحرب الى لبنان لن يؤدّي الى تحقيق الأمن كما تتوقّع “إسرائيل””.
وترى الأوساط عينها أنّ نهاية ما يحصل اليوم في لبنان وغزّة لن تكون سوى بالتوافق على حلّ شامل يُنهي الصراع ويوصل الى تطبيق حلّ الدولتين، خلافاً لما يطمح اليه نتنياهو، حتى وإن استمرّت هذه الحرب لسنة إضافية بعد أو أكثر. لهذا فمن مصلحة الجميع إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن قبل وقوع المزيد من الخسائر.