على طريقة طرابيش الباريزيانا أيام زمان، رأى وزير خارجية عربي في اتصال مع جهة لبنانية مسوؤلة، وبعد كلمة الشيخ نعيم قاسم، أن ما ينقص الكلمة بعد التخلي عن الاسناد، اعلان من جانب حزب الله بوقف النار. هذا اذا كان الحزب يريد «أن يعيد الثعبان الى جحره»، أو على الأقل دفعه الى الزاوية، ما يزيد من دينامية الوساطات التي تبذل للانتقال من الميدان الى الردهة الديبلوماسية.
في نظره أن قيادة الحزب تدرك أن بنيامين نتنياهو ماض في خياراته المجنونة، ان لأسباب ايديولوجية أو لأسباب استراتيجية، ما يعني أن الحرب للحرب لاستحالة اخضاع أي طرف للطرف الآخر، حتى اذا توقف القتال يمكن الحد من خط الكوارث، ما دام الأميركيين الذين يستقطبون غالبية الحكومات المؤثرة في المشهد الدولي والاقليمي، ماضون في دعم الدولة العبرية، حتى ولو كان على رأس حكومتها الشيطان لا نتنياهو…
السفير لا يتحدث عن الرؤية الفذة لدى السيد حسن نصرالله، حين قال بالحكمة في مواجهة الجنون. لكنه يعتبر في ضوء «الاتصالات الحساسة» التي تقوم بها حكومته أن هذا هو المطلوب الآن، وأكثر من أي وقت آخر.
جولات عباس عراقجي، وحيث التركيز على الخيار الديبلوماسي في معالجة الوضع، كون الظروف الحالية ليست قطعاً بالظروف الملائمة للحرب (أو لاتساعها)، لكأنها اعتراف متأخر بالخطأ التكتيكي لبلاده، في مقاربة مسألة ذات منحى استراتيجي، وذلك بتفجير الجبهة مع «اسرائيل»، التي تعرف كيف تلعب بالرؤوس الأميركية وبالرؤوس الأوروبية، وحتى بالكثير من الرؤوس العربية، فيما محور الممانعة بالثغرات البنيوية التي تعاني منها الدول المعنية من دون أي حليف. روسيا رهينة المراوحة في أوكرانيا. الصين بجاذبية السوق لا تتجرأ حتى على تزويد الحليف الروسي بالأسلحة خشية الغضب الأميركي.
من تراه يتصور أن نتنياهو الذي تشتعل في رأسه الحرائق على أنه النبي، الذي سيستقبل «الماشيح» المخلص عند بوابة الهيكل، يمكن أن يتفاعل مع أي قرار من الحزب بوقف الحرب، بعدما دعاها بـ”حرب القيامة»، التي تقتضي ازالة أي أثر لأي قوة يمكن أن تشكل خطراً على «اسرائيل».
شعاره في البداية كان اعادة سكان الشمال الى منازلهم، لينتقل بدعم أميركي مطلق الى شعار القضاء على حزب الله، قبل أن يعيد التذكير بالشعار الذي أطلقه غداة عملية طوفان الأقصى، أي تغيير الشرق الأوسط، وهو الشعار الذي يتوقع مفكرون ومعلقون في «اسرائيل» أو في الغرب، أن يقوده الى نهاية شبيهة بنهاية «يهوذا» الذي قضى شنقاً، دون أن ينسى نهاية استاذه مناحيم بيغن داخل بطانية الصوف، بسبب تجربته المريرة في لبنان.
التفكير بتغيير المنطقة يستدعي جدلياً توسيع نطاق الحرب، وحيث يتقاطع الرأي الأميركي مع الرأي الايراني برفضه. لا مجال للثور أن ينتفخ أكثر، وهو الذي كاد يحترق عارياً وسط غزة، لولا الامدادات الأميركية اليومية على أنواعها. بالرغم من ذلك يحاول أن يفجر الوضع على خط الجولان بالدخول الى الأراضي السورية، على أنها البوابة المثالية لتطويق حزب الله من الخلف.
المشهد أكثر تعقيداً من أن يستوعبه رجل وصفه توماس فريدمان بالأكثر غباء، والأكثر بشاعة في التاريخ اليهودي. اللافت هنا أن وزيراً لبنانياً سابقاً للعدل وصفه بـ”العبقري»، وهو ابن الفلسفة الديكارتية وأحد وجوه النخبة، معتبراً أن الحرب «الاسرائيلية» على غزة كانت ردة فعل على مقتل 1000 «اسرائيلي» بعملية طوفان الأقصى، ودون أن يقترب من الجذور البالغة الوضوح للمشكلة.
اللافت في هذا السياق، تحذير معلقين غربيين مؤيدين لليمين في «اسرائيل» من «المفاجأة» التركية التي قد تقلب المشهد الشرق أوسطي رأساً على عقب. وكان الصحافي التركي المعروف كمال أوزتورك قد كتب عن الجلسة السرية للبرلمان الكردي، لمناقشة المخاطر التي يشكلها «مشروع نتنياهو» على الأمن التركي وعلى الأرض التركية، بعد سلسلة من التصريحات النارية لرجب طيب اردوغان، الذي يخشى أن يستخدم «الاسرائيليون» الفصائل الكردية التي تضم أكثر من 100000 مقاتل، لتفكيك أو لتفجير تركيا، ومع اعتبار أن «الوعد الالهي» لبني «اسرائيل» يشمل أجزاء من الأراضي التركية.
لكن تركيا عضو في الأطلسي، نتنياهو يدرك ذلك، كما يدرك مدى الزبائنية (والنرجسية) في رأس اردوغان، الذي لازمه طويلاً هاجس السلطنة، ما يعنيه مستقبله الشخصي أكثر مما يعنيه مستقبل بلده ومستقبل المنطقة.
نتينياهو الذي ينتظر عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض، لن يوقف النار حتى يحترق بالنار…