Site icon IMLebanon

الحماسة لوقف النار والخوف منه

 

كل مقاومة لا تنتهي بزوال ظرفها ليست مقاومة. هي في أحسن الأحوال مشروع سياسي إيديولوجي، وفي أسوأ الأحوال جزء من مشروع إيديولوجي يدار من عاصمة إيديولوجية. وكل سلاح يصبح هدفاً في حد ذاته متوجاً بالتقديس والهزء من المدنيين المراهنين على الدولة، هو اعتداء على الشرعية و”احتكارها للعنف الشرعي” حسب ماكس فيبر. وفي هذا الإطار، فإن المقاومة الإسلامية في لبنان كما في “وحدة الساحات” هي، من جهة، أكثر من مقاومة، ومن جهة أخرى، أقل من مقاومة. أولاً لأن الجانب الإيديولوجي الديني يطغى على الجانب الوطني في المقاومة. ثانياً لأن هذه المقاومة تعمل للهيمنة والتسلط على البلد ليصبح في خدمتها بدل أن تخدمه. وثالثاً لأنها تقاتل أكثر من عدو في أكثر من بلد، بينهم من لا تنطبق عليه صفة المحتل. والنماذج ملموسة، من حرب لبنان إلى حرب سوريا وحرب العراق وحرب الحوثيين في اليمن.

 

 

حتى الإحتلال الإسرائيلي الذي يشن حرباً عدوانية وحشية على لبنان، فإنه يحمي نفسه بنظرية البروفسور جوزف ناي عن “الطرف الذي تربح قصته”. كيف؟ عبر خطاب مقبول في العالم الغربي والشرقي أساسه أن المقاومة هي التي استدرجته، ولو إلى معركة يريدها ويرسم الخطط لها من زمان وينتظر الظروف الملائمة. “حزب الله” فاخر بأنه بدأ حرب “الإسناد” لحركة “حماس” في اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى”. كان يرفض أي بحث في وقف النار قبل وقف النار في غزة. ولا أحد يذهب إلى حرب، وهو يعطي الأولوية الملحة لوقف النار المرتبط بقرار العدو وداعمه الأميركي، وبالذات بقرار في يد بنيامين نتنياهو. حرب 2006 بدأتها إسرائيل رداً على خطف المقاومة جنوداً إسرائيليين، وهي كانت خططها جاهزة إلى حد أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بدأت تهلل لـ “شرق أوسط جديد”. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أدارت حكومته الحرب اعترف مؤخراً بأن الهدف “لم يكن القضاء على حزب الله”.

 

 

 

وعلى الرغم من تخطي الحرب هذه المرة حتى حدود التوحش، فلا أحد يبدو خائفاً من الاستمرار في الحرب. إيران تريد استمرار القتال على وتيرة أخف واستمرار الكلام مع أميركا. أميركا توحي أن همها وقف النار، لكن محاولاتها تصطدم بجدار نتنياهو وطهران. “حزب الله” لا يزال قادراً على القتال المنظم على الرغم من الضربات التي تلقاها. ونتنياهو يرفض قطع الحرب في منتصفها. لكن ما يخيف هؤلاء هو وقف نار بشروط غير ملائمة. وما يخيف أكثر هو ما سيقود إليه وقف النار: البحث في “اليوم التالي”. فلا طرف يبدو جاهزاً لصورة اليوم التالي. والخلاف على هذه الصورة قد يقود إلى تجدد إطلاق النار بشكل أعنف.

 

 

والحرب الحالية أعادت الأنظار إلى قول غورباتشوف لحافظ الأسد: “إن استخدام القوة العسكرية كوسيلة لحرب الصراع في الشرق الأوسط فقد صدقيته”.