ينتظر لبنان الإعلان عن ساعة بدء تنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار بينه وبين “إسرائيل”.. وساد خلال الساعات الماضية الحديث عن دخول الإتفاق حيّز التنفيذ بين الرابعة (فجراً) والسادسة من صباح اليوم الأربعاء. فيما ذكر البعض الآخر أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن سيُعلن عن هذا الإتفاق قبل عيد الشكر في الولايات المتحدة الذي يُصادف غداً الخميس في 28 تشرين الثاني الجاري، تزامناً مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عنه أيضاً. على أن يبدأ الإلتزام به من قبل لبنان و”إسرائيل” في غضون 24 ساعة. والأهمّ من تحديد الساعة المرتقبة هو أنّ واشنطن نجحت هذه المرّة (من دون معرفة الأسباب الفعلية)، في الضغط على “تلّ أبيب” لحثّها على الموافقة على مقترحها بشأن وقف النار الذي حمله وناقشه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت و”تلّ أبيب” الأسبوع الماضي.
وتقول المعلومات بأنّ واشنطن هدّدت بعدم استخدام حقّ النقض “الفيتو” في مجلس الأمن في أي قرار لاحق قد يتخذه بإدانة “إسرائيل” في حربها على لبنان. الأمر الذي لا يريده رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو كونه يدلّ على تخلّي واشنطن عنه وعن القرارات التي يتخذها في المنطقة. وأرادت بالتالي أنّ يتم الإعلان عن هذا الإتفاق رسمياً من قبلها عيد الشكر، ومن قصر الإليزيه الذي أصدر بياناً بهذا الخصوص جاء فيه: “هدفنا هو تحقيق وقف إطلاق نار يسمح بحماية السكّان وعودة النازحين الى ديارهم بأمان على جانبي الخط الازرق واحترام سيادة لبنان”.
علماً بأن الغارات استمرّت على المناطق اللبنانية أمس الثلاثاء، واستهدفت وسط بيروت للمرة الأولى، رغم الحديث عن هدنة قريبة جدّاً بين حزب الله و”إسرائيل”. وكان اكتفى نتنياهو باجتماع المجلس الأمني المصغّر للتصويت على الإتفاق وجرى تأجيل موعد انعقاد الكابينيت للإعلان عن وقف النار العاشرة بتوقيت بيروت (من ليل أمس على ما كان متوقّعاً)، على أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال التاسعة من صباح اليوم للإعلان بدورها عن وقف النار.
وشملت بنود الإتفاق الذي جرت الموافقة والمصادقة عليه من جميع الأطراف المعنية نقاط عدّة، على ما تحدّثت مصادر سياسية مطّلعة، يُمكن تلخيصها بما يلي:
1- وقف الأعمال العدائية بين حزب الله و”إسرائيل” ، لمدة 60 يوماً من تاريخ توقيع الإتفاق. على أن يتمّ تثبيت وقف إطلاق النار النهائي بعدها، في حال جرى الإلتزام بوقف النار من الطرفين.
2- إنسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من المناطق التي دخلت إليها، على أن تنسحب من الأراضي المحتلّة ومن النقاط الـ 13 على الخط الأزرق، ونشر الجيش اللبناني مكانها على مراحل (5 آلاف جندي في المرحلة الأولى، على ما أعلن وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب) وتعزيز قدراته.
3- تشكيل لجنة خماسية لمراقبة آليات تطبيق القرار 1701، وللإشراف على تنفيذ الإتفاق. على أن تتألّف من كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا اللتين تنضمّان الى اللجنة الثلاثية القائمة والتي تضمّ كلّاً من لبنان و”إسرائيل” و”اليونيفيل”.
4- عمل اللجنة على مراقبة كامل الحدود اللبنانية لمنع تهريب السلاح الى حزب الله من سوريا، وتأمين ابتعاده الى شمال نهر الليطاني.
5- بعد الـ 60 يوماً من وقف إطلاق النار، يتمّ تفعيل عمل اللجنة الثلاثية التي تضمّ لبنان و”إسرائيل” وضابط من ”اليونيفيل” للبحث في تثبيت ترسيم الحدود البريّة ومعالجة النقاط الـ 13 العالقة عند الخط الأزرق. فضلاً عن والبتّ بمسألة انسحاب القوّات الإسرائيلية من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، على ما يرد في القرار 1701.
ولا يلحظ الاتفاق، وفق المصادر السياسية أي منطقة عازلة عند الحدود، كون “إسرائيل” تودّ خلق منطقة خالية من السكّان وليس فقط من السلاح، على ما ينصّ عليه القرار 1701. الأمر الذي لا يُوافق عليه لبنان، ولهذا لم يتمّ إدراج هذه النقطة في الإتفاق. على أن يجري خلال الـ 60 يوماً التي ستكون موضوعة تحت الإختبار بشكل يومي، انتخاب رئيس الجمهورية، وتُباشر فرنسا بجهودها من أجل إعادة تشكيل السلطة وبناء المؤسسات. وكان الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قد أشار في خطابه الأخير الى “تسهيل الحزب لانتخاب الرئيس وفق الأطر الدستورية”.
علماً بأنّ “إسرائيل” لا تزال تُروّج أنّ الإتفاق يضمن لها “حقّ الدفاع عن النفس” وحرية التحرّك في حال حصول أي خرق أو انتهاك للإتفاق من قبل حزب الله، ويواصل المسؤولون فيها تهديداتهم ضدّ الحزب، ويتحدّثون عن وضعهم 4 شروط للموافقة على الإتفاق. كما طالبت الولايات المتحدة بضمانات تشمل إمكان الردّ الفوري على أي صاروخ يُطلق في اتجاهها خلال الهدنة وبعدها، على أن ترفع شكوى ضدّ أي انتهاك آخر لمعالجته من قبل لجنة المراقبة. في الوقت الذي ينفي فيه لبنان ورود مثل هذه النقاط في الإتفاق، مشيراً الى أنّ أي اتفاق جانبي بين واشنطن و”تلّ أبيب” ليس معنياً به.
وفي الواقع، يتمّ الإعلان عن اتفاق لم يتمّ نشره من جميع الأطراف، على ما تلفت المصادر، ما يجعل البعض متوجّساً منه. وتبقى الخشية قائمة من الأفخاخ التي يضعها نتنياهو ضمن أي إتفاق، وإمكانية موافقته عليه ومن ثمّ نسفه لأي سبب كان. فهل الإتفاق هو عبارة عن آلية تنفيذية للقرار 1701 كما قيل في لبنان، أم هدنة مؤقّتة لمدة شهرين يعود القتال بعدها بين حزب الله و”إسرائيل”؟ وهل سيترافق انسحاب الجيش “الإسرائيلي” الى الداخل تزامناً مع تراجع حزب الله الى شمال الليطاني؟ وهل ستقوم لجنة المراقبة بتدمير منشآت الحزب وكلّ ما تبقّى من أسلحة له في الأنفاق أو سواها، على ما تُطالب “إسرائيل”، ما يُدخل القرار 1701 في الفصل السابع، وهو لا ينصّ عليه، كما لا يشير الى نزع سلاح الحزب إنّما الى منطقة خالية من الأسلحة والمسلّحين؟ وهل ستُمارس لجنة المراقبة الضغوط على “إسرائيل” لسحب قوّاتها الى حدود الهدنة في العام 1949، أي من جميع الأراضي المحتلّة، أم لا؟ كلّها أسئلة ستكشفها الساعات والأيام المقبلة بعد الإعلان الرسمي من جميع الأطراف عن دخول إتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله و ”إسرائيل” حيّز التنفيذ لمدة شهرين.