تحدّيات وتساؤلات كثيرة تحوط بمسار «اليوم التالي» اللبناني الذي بدأ عدّه التنازلي منذ الرابعة فجر الأربعاء، تاريخ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.. فأي وجهة ستسلكها الأزمات المعلقة؟ وهل ستتعظ القوى الداخلية من دروس الحرب؟
مع انتهاء العدوان الاسرائيلي على لبنان، سينصبّ النقاش الداخلي والاهتمام الخارجي على تظهير ملامح المرحلة المقبلة، وسط بقايا الدخان والغبار اللذين لا يزالان يحجبان الرؤية الكاملة، فيما تتعدّد المقاربات لما يجب فعله تبعاً لأجندة كل طرف وأولوياته المستمدة من حساباته ومصالحه.
ومن هنا، يواجه الأفرقاء السياسيون تحدّي تطوير الخطاب السياسي وإخراجه من قوالب النمطية، وصولاً إلى تقديم مقاربات جديدة للملفات الداخلية، على قاعدة أنّ ما بعد الحرب ليس كما قبلها.
وفي الانتظار، تكشف المعلومات حول مخاض التفاوض في الساعات الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار، أنّ الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان يسمع من منزله أصداء الغارات الإسرائيلية المكثفة على مناطق متفرقة في العاصمة، هاله مشهد النزوح الكبير لأهالي العاصمة من منازلهم تحت وطأة الاعتداءات المتلاحقة والتهديدات بتنفيذ مزيد من «الضربات الوداعية»، فبادر إلى الاتصال بواشنطن، طالباً الضغط على تل أبيب لتقريب موعد وقف النار الذي كان يُفترض الإعلان عنه في الأساس عند العاشرة صباحاً بتوقيت بيروت.
وتفيد المعلومات، انّ اتصالاً حصل على الأثر بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وإنّ الأول احتاج إلى بعض الوقت حتى تمكن من إقناع الثاني بالموافقة على بدء وقف النار عند الرابعة فجراً بدل العاشرة صباحاً.
اما استحقاق «هندسة» حقبة ما بعد انتهاء العدوان فلا يقلّ صعوبة، في ظل القراءات المتفاوتة لنتائج الحرب وأثرها المفترض على المعادلة السياسية. إذ يعتبر خصوم «حزب الله» أنّه هو الخاسر، وانّ الترتيبات السياسية المستقبلية يجب أن تأخذ هذا العامل المستجد في الحسبان. بينما يؤكّد الحزب وحلفاؤه انّه انتصر أقلّه من زاوية نجاحه في الصمود أمام محاولة إلغائه وفي منع الكيان الإسرائيلي من تحقيق أهدافه، وبالتالي لا يمكن فرض اي أمر واقع عليه.
ولعلّ مبادرة الرئيس نبيه بري إلى تحديد موعد انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني، شكّلت أولى المحاولات العملية في اتجاه وضع الحجر الأساس للمرحلة الجديدة، وإعادة ترتيب و«تأثيث» البيت الداخلي الذي زادته الحرب تصدّعاً.
وقد وصف البعض خطوة بري بأنّها «ضربة معلم»، كونها سحبت فتيل المزايدة عليه من القوى التي تستعجل الانتخاب، ووضعت جميع الكتل النيابية أمام مسؤولية إنجاز التفاهم على الرئيس خلال الفترة الفاصلة عن موعد الجلسة الانتخابية، وسط تقديرات بأنّها ستكون هذه المرّة مختلفة عن سابقاتها، وستُنهي ظاهرة «الاحتباس الرئاسي»، في اعتبار أنّ «البيئة السياسية» باتت ملائمة لملء الشغور في قصر بعبدا.
ومن الواضح أنّ مسارعة بري إلى تحديد موعد الجلسة هي انعكاس للدينامية التي ولّدها اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك في مسعى لاستثمار قوة الدفع التي أنتجها الاتفاق من أجل انتخاب الرئيس، بل هناك من يعتبر انّ تسوية إنهاء الحرب تتضمن ملحقاً غير مكتوب يقضي بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في إطار «ديل» يمتد من الجنوب إلى بعبدا، برعاية دولية.
ومن هواجس «اليوم التالي» أيضاً، تحصين الداخل اللبناني في مواجهة مخاطر أي فتنة محتملة قد يراهن عليها الإسرائيلي لاستكمال مخطط استنزاف الحزب وإضعافه شمالي الليطاني، وفق المخاوف السائدة في بعض الأوساط السياسية وحتى الرسمية أيضاً.
ومع انّ تجربة استقبال النازحين في بيئات لبنانية متنوعة كانت مريحة ومطمئِنة، وبالتالي يفترض أن تؤسس لغدٍ أفضل، الّا انّ ذلك لم يمنع تلك الاوساط من التنبيه إلى احتمال أن يحصل تحريض على فتنة داخلية بين الحزب وبعض خصومه، في إطار تصفية الحسابات، ما يستدعي اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر السياسية، لتفادي الإنزلاق إلى أي فخ من هذا النوع.