Site icon IMLebanon

ceasefire agreement

 

أرخى الفشل الأميركي في ترتيب اتفاق لوقف النار في قطاع غزة وتنظيم عملية تبادل الأسرى بالمعتقلين، بظلاله الرمادية على التحركات الديبلوماسية في المنطقة. وجاء القرار الأميركي بتأجيل الاقتراحات البديلة ممّا كان مطروحاً في مبادرة الرئيس جو بايدن، ليعطي بنيامين نتنياهو فرصة إضافية للانقضاض على ما تبقّى من غزة وتكثيف الضربات المؤلمة في لبنان وسوريا، بديلاً من الحرب الواسعة التي كان يريد أن يستدرج واشنطن والمنطقة إليها. وهذه بعض الدلائل والمؤشرات؟

ازداد اقتناع المراجع الديبلوماسية والاستخبارية بأنّ السيناريو الذي حاولت واشنطن تسويقه لوقف النار في قطاع غزة وإلغاء البرامج المشابهة المعدة للضفة الغربية وخفض التصعيد على الساحات الملحقة بها، ولا سيما في جنوب لبنان، كان مجرّّد مشروع وهمي لا يقارب الاهداف الإسرائيلية من الحرب والإصرار على “النصر المطلق” الذي يحلم به نتنياهو أياً كانت تكلفته في الداخل والخارج. وبمعزل عن النية الأميركية المعلن عنها بالوصول إلى هذه المرحلة المتقدّمة، لم يكن واضحاً وثابتاً لدى هذه المراجع عند قراءتها للاستراتيجية الأميركية، سوى أنّها كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى تأجيل أو إلغاء ردّات الفعل المنتظرة من “محور الممانعة” على اغتيال كل من اسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتهديدات التي أوحت بانفجار كبير، قد لا يكون من السهل إدارته واستيعاب نتائجه بأقل الخسائر الممكنة. أمّا وقد أدّت التطوّرات إلى تأجيل الردّ الإيراني حتى اللحظة، وما رافق وانتهى إليه ردّ “حزب الله” في 25 آب الماضي بعد استبعاد الردّ الجماعي للمحور، ليؤكّد نجاح الاستراتيجية الأميركية بإبقاء النزاع ضمن قواعد الاشتباك التي يمكن ضبطها والسيطرة عليها.

 

 

وإن سعت واشنطن إلى منع وقوع “الحرب الكبرى”، فقد نجحت بذلك باعتراف الخصوم والحلفاء معاً، فجاءت الردود حتى اليوم منضبطة وفق “هندسة عسكرية” سمحت لجميع الأطراف بإعلان انتصارها وتحقيق غاياتها. ولذلك تلاحقت السيناريوهات التي أوحت بها واشنطن بالتنسيق والتعاون مع حليفَيها المصري والقطري، لتقديم الخيارات السياسية على العسكرية، بهدف خفض التصعيد من دون أن تنتهي إلى النتيجة المعلن عنها، بمعزل عن الانتكاسات الأمنية المحدودة التي تسبّبت بها بعض العمليات العسكرية في غزة وجنوب لبنان، والتي رافقت موجات التفاوض بين الدوحة والقاهرة قبل أن تظهر بوادر الفشل مجدّداً، وهو ما ينذر بإمكان أن تتجدّد الحرب ولو بأشكال مختلفة تحت “السقف الأقصى” الذي تحتمله “قواعد الاشتباك”، بما يمكن ضبطه والحؤول دون بلوغ مرحلة الانهيار الكامل. فلا يُنسى السعي الأميركي إلى ترتيب المرحلة الأولى من خطة بايدن التي كانت تعني الإفراج عن الأسرى لدى “حماس” من كبار السن واصحاب الجنسية المزدوجة، ولا سيما منها الأميركية، على أبواب فتح صناديق الاقتراع الأميركية.

 

تحت هذه العناوين الجديدة، أدرجت المراجع الديبلوماسية والاستخبارية الضربات الإسرائيلية التصعيدية التي شهدتها الساحة الجنوبية والمجازر التي ارتكبت في مدن الضفة الغربية ومخيّماتها وحوّلت بعضها إلى “ميني غزة”، وصولاً إلى الهجمات الكبرى غير المسبوقة التي شنّتها إسرائيل في عمق الأراضي السورية، وأعنفها تلك التي استهدفت مواقع عسكرية سورية وأخرى عائدة للمنظمات الموالية لإيران ليل الأحد – الإثنين الماضي بطريقة غير مسبوقة، بالنظر إلى ما استخدمت فيها من أسلحة الجو والبر والبحر بطريقة منسقة ومكثفة في أكثر من منطقة، امتدّت من ضواحي دمشق إلى مناطق الساحل السوري الممتدة من ضواحي حمص وحلب، حيث مركز الأبحاث العلمية وطرطوس، وأسفرت للمرّة الأولى عن عشرات القتلى والجرحى من العسكريّين والمدنيّين بما لم تشهده العمليات السابقة.

 

وعند دخولها في تفاصيل ما يجري ربطت المراجع عينها بين مجموعة الأحداث هذه على الساحتَين السورية واللبنانية، وقرأت فارقاً كبيراً في أنواع الأسلحة المستخدمة. ذلك أنّ الجيش الإسرائيلي أدخل للمرة الأولى الصواريخ الثقيلة التي تسلّمها من واشنطن أخيراً، ومنها التي تزن بما يفيض على 900 حتى 1500 رطل، وتلك الرجراجة – التي ارتجّت لها مناطق سكنية آهلة شاسعة – والخارقة للتحصينات، اعتقاداً منها أنّها تستهدف أنفاقاً في قرى الجنوب وأوديته، بالتزامن مع تكثيف الغارات في الأراضي السورية بطريقة غير مألوفة، والإصرار على ملاحقة أطقم الإسعاف التي تحمي تحرّكاتها كل القوانين الدولية في مثل هذه الحالات.

 

 

على هذه الخلفيات، لن ترى المراجع عينها حرجاً في الكشف أنّها باتت على اقتناع بأنّ إسرائيل التي زادت من وتيرة عملياتها نحو الأعنف والأقسى على الرغم من الضغوط الأميركية التي بوشر بها، تارة في اتجاه حركة “حماس”، كما بالنسبة إلى لبنان على خلفية الوضع في الجنوب، وهي التي دفعت برئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى وضع السفراء الغربيّين والدول الأعضاء الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي في أجواء ما يجري، ودعوتهم إلى التدخّل، قبل تحميلهم مسؤولية ما يجري. على الرغم من إشارة بعضهم إلى أنّ العمليات العسكرية متبادلة في الجنوب، وأنّ التهدئة مطلوبة من الطرفَين لوقف ما يجري على أرضه.

 

ولم تشأ المراجع الفصل بين ما يجري وبين التحذيرات المسبقة التي أطلقها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب عشية انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة غداً، وسط معلومات عن نية الرياض دعوة الدول الإسلامية والعربية إلى قمة استثنائية تشارك فيها إيران، وتتناول الوضع في فلسطين ولبنان والساحات المختلفة، من أجل إطلاق مبادرة ما للضغط في اتجاه وقف ما يُرتكب من مجازر في غزة والضفة وخفض التصعيد على الساحات الاخرى، وما يستلزم ذلك من خطوات ومواقف لا بدّ منها.

 

عند هذه المؤشرات والملاحظات وما يماثلها من دلائل على مخاطر المرحلة في ظل الشغور الدولي والتعنّت الإسرائيلي بلا حدود، يمكن القول أنّ إسرائيل ماضية في ضرباتها طالما أنّها تحظى بالمهل الاميركية الإضافية، مضافاً إليها العمليات التي تعطيها حججاً جديدة، كتلك التي تسبّبت بها عملية جسر الملك حسين في الأردن، للمضي في عدوانها بحجة الدفاع عن مصيرها، والمضي في عملياتها الإجرامية التي قادت إلى التدمير الممنهج ومضاعفة عدد الشهداء بديلاً من “الحرب الشاملة” التي كانت على الأبواب.