Site icon IMLebanon

الخيارات السيئة إذا فشل وقف النار

 

نجح مجلس الامن الدولي أول امس في اقرار مشروع القرار الذي كانت قد تقدمت به الولايات المتحدة من اجل الدعوة لوقف اطلاق النار في غزة، للحرب المستمرة منذ ما يزيد عن ثمانية اشهر. وكان مشروع القرار هذا قد حظي على موافقة الرئيس جون بايدن، وذلك لانه يخدم تنفيذ المشروع الذي اطلقه قبل اسبوع لوقف اطلاق النار، في مرحلة اولى، ومعالجة نتائج الحرب في مرحلتيه الثانية والثالثة. وكان اللافت في الجلسة بأن الصين لم تعمل لوقف اقرار المشروع بينما غابت روسيا عن التصويت، في الوقت الذي عارضت فيه الدولتان في آذار الماضي مشروع قرار لوقف النار وذلك بحجة انه يعطي الاذن والدعم لاسرائيل لمهاجمة مدينة رفح. في المقابل فإنه كان قد سبق للولايات المتحدة ان استعملت «حق النقض» ضد ثلاثة مشاريع قرارات لوقف النار الفوري في غزة.

بعد اقرار مشروع وقف اطلاق النار خرج نات ايفانز الناطق باسم البعثة الاميركية لدى مجلس الامن ليطلب من مجلس الامن الضغط على حماس للموافقة على وقف لاطلاق النار، وبالتالي الموافقة على مقترحات كانت قد قبلتها اسرائيل. واعتبر ايفانز ان صدور دعوة موحدة من قبل اعضاء المجلس سيؤثر حتماً على موقف حماس ورفضها للقبول بمشروع بايدن والذي كان قد قدّمه كمقترح اسرائيلي.

لكن على ضوء نجاح العملية العسكرية الاسرائيلية في تحرير اربع «رهائن» احياء من غزة، لا بد من طرح السؤال حول حصول تبدّل في الموقف الاسرائيلي من وقف اطلاق النار، حيث يبدو بأن عملية تحرير «الرهائن» قد اعطت لنتنياهو النور والدعم اللازمين للاستمرار في عملية غزة من اجل تحقيق النصر، والذي عرّفه نتنياهو بتفكيك بنية حماس العسكرية والسياسية وتحرير جميع «الرهائن».

في المقابل كان من المنتظر ان ترحب حماس بالقرار الدولي، خصوصاً وانه يدعو لوقف دائم لاطلاق النار، وبالتالي التجاوب مع المساعي والضغوط القطرية والمصرية بهذا الخصوص. لكن لا بد من التساؤل عن موقف يحيى السنوار الراهن، وفي ظل الخسائر البشرية الدراماتيكية التي تسببت بها العملية العسكرية الخاطفة لتحرير الاسرى.

يبدو بوضوح بأن تحقيق وقف لاطلاق النار قد تحوّل الى اولوية للدبلوماسية الاميركية، وهذا ما تؤكده زيارة وزير الخارجية انطوني بلينكن لاسرائيل ولعدة دول عربية معنية بالوساطة الجارية مع حماس، والمترافقة ايضاً مع قرار الوزير بني غانتز بالاستقالة من حكومة الحرب الاسرائيلية، وبالفعل فقد استقال غانتز من حكومة نتنياهو يوم الاحد الماضي، وذلك بحجة ان رئيس الحكومة يسيء ادارة الحرب، ويرفض كل المقترحات المطروحة حول مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب.

صحيح انه ما زال يلف موقف حماس الكثير من الغموض سواء تجاه خطة بايدن او من وقف اطلاق النار الذي جرى اقراره الاثنين في مجلس الامن، ولكن في المقابل فإن مواقف الحكومة الاسرائيلية قد تبدل بعد استقالة غانتز، وفي ظل النشوة التي تركتها عملية تحرير اربعة اسرى. كان بلينكن قد عبّر عن استنتاجات متشائمة في نهاية زيارته الاخيرة لاسرائيل، ومشيراً بأنه في حال عدم الالتزام بوقف اطلاق النار فإن الوضع سيتجه نحو مجموعة من الخيارات السيئة.

الخيار الاول، وقد يقضي بأن تبقى اسرائيل في قطاع غزة، وذلك بالرغم من نفيها لمخطط احتلال القطاع، «ونحن لا نريدها ان تبقى في القطاع»، ولكن اذا حدث ذلك فإن على واشنطن تحمّل «النتائج».

الخيار الثاني: سيقود استمرار الحرب دون وجود اي افق للسلام الى ثورة وانتفاضة فلسطينية عارمة، مع ارتفاع مستوى المشاركة في النزاع من قبل قوى الممانعة.

الخيار الثالث: في ظل عدم وجود خطة «لليوم التالي» فهذا سيؤدي لحدوث فراغ في غزة، وبالتالي سيطرة حالة من الفوضى الكاملة في القطاع، واذا نجحت حماس في العودة ذلك يعني استمرار خطر نشوب نزاعات وحروب في المستقبل على مستوى الاقليم، وبما يهدّد المصالح الاميركية الكبرى.

في رأينا وفي ظل هذه الاجواء المعقدة، ورفض كُلٍّ من حماس واسرائيل بالسير قدماً، وبحسن نية في تنفيذ المراحل التي نصّت عليها خطة بايدن، او تنفيذ كامل مندرجات قرار مجلس الامن الخاص بوقف النار فإن المنطقة مرشحة لتشهد المزيد من التصعيد على الجبهة اللبنانية، مع خطر الانزلاق لحرب واسعة بين اسرائيل وحزب الله، مع كل ما ينضوي ذلك من مخاطر حول امكانية مشاركة ايران فيها.

يدرك الجميع بأن الولايات المتحدة لا تريد حرباً اقليمية او حرباً واسعة في لبنان، لان ذلك سيضر دون شك بالمصالح الاميركية، وامن واستقرار حلفائها في المنطقة.

يبدو جلياً بأن الرئيس بايدن يخشى ان تؤثر تداعيات هذا التقلب من قبل حماس او من قبل اسرائيل على مسار الانتخابات الرئاسية الى خسارة بايدن بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل. سيؤدي استمرار الحرب في غزة الى ارتكاب اسرائيل لمزيد من المجازر، وسينعكس ذلك سلباً على معركة الرئيس بايدن، وخصوصاً في ولايات يتأثر فيها التصويت بالاصوات العربية والاسلامية، والتي تأتي في  طليعتها ولاية ميتشيغان.

من الواضح ان هناك تعارضاً واضحاً ما بين مصالح بايدن ومصالح نتنياهو، فالرئيس الاميركي يريد تهدئة الوضع بأي ثمن كان، وذلك اقتناعاً منه بأن استمرار الحرب ومقتل المزيد من الفلسطينيين سيترك اضراراً سياسية بالغة عليه وعلى حزبه، وعلى الولايات المتحدة. اما نتنياهو فإنه يجد له مصلحة استراتيجية في الاستمرار في الحرب، لان ذلك يدعم حكومته اليمينية، كما يمنع سقوط هذه الحكومة، وتعريضه شخصياً لمواجهة المحاكمة بتهمة الفساد. وفي هذه الاثناء فإن لبنان سيبقى معلقاً على الصليب الذي اختاره له محور الممانعة.