Site icon IMLebanon

واشنطن توقف مهزلة التفاوض، هذا هو الإتفاق

 

تعايش اللبنانيون خلال الاسبوع المنصرم مع كم هائل من التصريحات المتناقضة حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب لله فيما كان مجريات الميدان تسجل المزيد من العنف والتدمير من الحدود الجنوبية حتى البقاع مروراً بالعاصمة بيروت. اللافت في الموضوع أن الجانبين اللبناني والاسرائيلي تشاركا الفوضى الاعلامية تأكيداً ونفياً عبر مصادر رسمية أو مقربة من مصادر رسمية، ليأتي إعلان واشنطن عشية يوم أمس أنها ستبلغ المسؤولين اللبنانيين أن اتفاق وقف إطلاق النار سيعلن خلال ساعات.

الإعلان الأميركي الذي أتى على وقع غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية وارتفاع في وتيرة التصعيد جنوباً ترافق مع صمت رسمي لبناني،  وكأنَ الموقف من الإتفاق ينتظر موافقة أو رفضاً من جهة ما قبل إعلانه، في حين انبرى السفير الاسرائيلي في الامم المتحدة داني دانون لإعلان التوصل الى وقف لإطلاق النار قبل اجتماع مجلس الأمن مؤكداً أنَ مجلس الوزراء سيجتمع الاثنين (أمس) أو اليوم الثلاثاء لمناقشة مسألة وقف إطلاق النار في لبنان. هذا وقد أعقب الإعلان الاميركي مجموعة من التصريحات لمسؤولين إسرائيليين أكدت على تضمين الاتفاق كل النقاط التي سبق أن رفضها لبنان واعتبرها مسائل سيادية لا يمكن القبول بها.

 

في الخلفية الاقليمية يمكن القول أنَ الإعلان الاميركي الذي أتى بعد ساعات من تصريحات للمرشد الأعلى علي خامنئي ــــــــ بأن أهالي قطاع غزة ولبنان لا يملكون خياراً آخر سوى اللجوء إلى الكفاح المسلح، وأن جبهة المقاومة ستتسع أكثر في المستقبل – لم يهدف فقط لتأكيد السقوط النهائي لوحدة الساحات التي تصر طهران على إعادة إحيائها، بل للتأكيد على المواجهة مع طهران، سيما أنه لم يأخذ بعين الاعتبار ما ذهب إليه المرشد في إشارته أن طهران تدرس خيارات مختلفة «للرد» على الهجمات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت إيرانية، بينها مواقع حساسة في 26 تشرين الأول.

أجل لقد أنهت واشنطن بإعلانها الاتفاق مهزلة ما سمي بالتفاوض حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب لله بالرغم من وجود قرار دولي صادر عن مجلس الأمن بل أنهت الإستثمار الإقليمي التي تقوده طهران في هذا القرار. وهنا يبقى السؤال المطروح ما هي الإضافات التي تضمنتها نسخة العام 2024 من القرار 1701 عن تلك التي خبرها اللبنانيون منذ العام 2006 والتي أدت الى الإسقاط التدريجي للدولة وخلصت الى ما يعيشونه اليوم من دمار ومآسي وانقسام سياسي وسقوط إقتصادي؟

 

لا بد من الإشارة في هذا المجال الى ما صرح به الموفد الاميركي لدى مغادرته واشنطن بأن زيارته لبيروت لن تقتصر على تحقيق وقف لاطلاق النار، بل الى ما يشمل كل لبنان. لقد أدرج الإتفاق الاميركي الذي حمله هوكشتين كل البنود التي تضمنها القراران 1559 و 1680 المدرجان في البند الثالث من القرار 1701 دون أن يأتي على ذكرهما، بما يشمل تفكيك البنية العسكرية لحزب لله ومراقبة الحدود اللبنانية السورية والمرافئ الجوية والبحرية لمنع وصول السلاح الى حزب لله أو أي طرف لبناني آخر. أما ما يمكن اعتباره مستحدثاً على مستوى الإجراءات التنفيذية للقرار 1701 فهو اللجنة الدولية الخماسية التي ترأسها الولايات المتحدة والمكلفة مراقبة تنفيذ الإتفاق بما يعني التحقق من الانتشار الفاعل للجيش اللبناني في قطاع جنوب الليطاني وانهاء الوجود المسلح غير الشرعي والسيطرة على الحدود البرية بما فيها المرافئ والمطار وإقفال المعابر غير الشرعية، وذلك خلال مهلة ستين يوماً تنتهي بالانسحاب الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية.

يتيح الاتفاق الاميركي للبنان فرصة استثنائية لإستعادة سيادته على كامل أراضيه بما فيها حدوده الجنوبية التي تطوي صفحة إلتحاقها بطهران، وبمعنى أدق يمثل هذا الاتفاق الحصانة الدولية الملزمة لوثيقة الوفاق الوطني التي أجمع عليها اللبنانيون والتي حالت التدخلات الإقليمية دون تطبيقها. وإذ يشكل هذا الإتفاق إختباراً لجدية لبنان في الإرتقاء الى مستوى الدولة فإنما يضع في الوقت عينه كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي أمام مسؤوليتهما الوطنية في إنقاذ لبنان وعدم تحوله الى غزة جديدة.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات