حرب سوريا تدخل اليوم تجربة اتفاق روسي – أميركي على ما لم يحدث منذ خمس سنوات: وقف الأعمال العدائية. لا على كل مسرح العمليات بل على محاور مختارة عبر هدنة جزئية وموقتة. وهي هدنة يبدو الخيار فيها بالاضطرار وحتى بالفرض لجهة من تشملهم، ويبقى الاستثناء منها مفتوحاً بالنسبة الى لائحة المنظمات الارهابية الرافضة والمرفوضة. ولا أحد يعرف متى تدق ساعة الانتقال الديمقراطي للسلطة أو حتى إن كانت ستدق. لكن الكل مشغول بدقات ساعة الانتقال من تبادل اطلاق النار الى تبادل الامتحانات في مادة الوفاء بالالتزامات الأمنية والسياسية.
ذلك ان كل طرف يوحي أنه يريد امتحان الطرف الآخر. موسكو تمتحن جدية واشنطن في دفع المعارضين والدول الاقليمية التي تدعمهم بالمال والسلاح الى التزام الهدنة تمهيداً لتنفيذ خارطة الطريق الى التسوية ومحاربة داعش. وواشنطن تمتحن جدية موسكو في وقف القصف الجوي وإقناع دمشق وطهران والتنظيمات الحليفة لهما بالحرص على الهدنة وتوجيه النار نحو داعش والنصرة. واذا كان ا لرئيس فلاديمير بوتين يحدد الهدف من الهدنة بالوصول الى تسوية سياسية صعبة، ولكن لا بد منها، فإن الرئيس باراك أوباما يحذر من صعوبة التزام الهدنة والطريق الى التسوية.
ولم يكن خارج المألوف أن يتحدث وزير الخارجية جون كيري أمام الكونغرس عن مهلة أيام ليعرف إن كانت خطة الهدنة ستتماسك، وعن مهلة شهر أو شهرين ليعلم إن كانت عملية الانتقال السياسي جدية. ولا أن يهدد ب خيارات لخطة بديلة قيد الدرس إن لم يحصل ذلك.
وكالعادة، سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى الرد بأنه ليست هناك أية خطة بديلة من الاتفاق الروسي – الأميركي، ولن تكون هناك خطة. فهو الشريك في هندسة الاتفاق، بعدما قاد كيري على طريق التنازلات التي جعلت بيان فيينا ينسخ بيان جنيف-١ ثم قادت الى القرار ٢٢٥٤ في مجلس الأمن الذي تبنى خطوط التصور الروسي والنقاط الأربع للاقتراح الايراني. وهو واثق من أن أوباما الذي بلع كلامه على الخط الأحمر عند أول اشارة رووسية الى نزع الأسلحة الكيماوية، ورفض الخيارات التي قدمها فريقا الأمن القومي، لن يوافق في الشهور الأخيرة من رئاسته على خطة بديلة.
والواقع أن أوباما ليس فقط ضد الخيار العسكري بل أيضاً يضع الخيار السياسي على لائحة الانتظار، ويوحي أن الأولوية هي للحرب على داعش. أما بوتين، فإنه يتصرف على أساس أن الخيار العسكري هو الذي يحدد نوع الحل السياسي. وهما، برغم كثرة اللاعبين، يديران اللعبة.