IMLebanon

مَن اشتراك باعك!؟

 

عندما يَشبّ حريق في بيتك ويَدعوك أحدهم للصلاة والتضرّع إلى الله، فاعلم أنّها دعوة خائن لأنّ الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر هو الاستحمار وإن كان عملاً مقدّساً – من كتابات المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي…

 

محامٍ نازح من بعلبك يكتب: «ثم ينقضي الأمر بأن تحمل بيدك شنطة صغيرة كنت قد جهّزتها قبل ذلك، فيها أوراقك الشخصية التي تُثبت بأنّك (أنت) وما تيسّر من مال ادّخرته وقليل جداً من الذاكرة… هكذا نحن في هذا الشرق، يمرّ علينا زمن نترك فيه كل رفاهيتنا التي اشتريناها بجهدنا وكدّنا وتعبنا ولربما في ظلمنا وعتونا وغلونا وفسادنا… هذه التجربة اليوم لا يجب أن تمرّ كسابقاتها».

 

خلال شهرَين قبل وقف إطلاق نار الحرب الشاملة في لبنان، بات ربع اللبنانيّين نازحين، والضحايا بالآلاف، 243 ألفاً غادروا إلى الخارج. وارتكز الإيواء في بيروت وجبل لبنان والشمال، بكلفة 250 مليون دولار لتغطية احتياجات النازحين شهرياً، وتكلفة الدمار الفعلي تُقدّر بحوالى 20 مليار دولار، وتراجع النشاط الإقتصادي بنسبة 90%، لماذا هذا كله؟ وماذا فعل لبنان ليستمر في دفع هذا الثمن الباهظ من الأرواح والأموال والممتلكات؟

 

نحن في مجتمع منكوب يَدور حوله الحديث عن شعب ربعه نائم وربعه مُنوَّم، وربعه مهاجر، وربعه الباقي نازح. نحن نريد أن نوقظ النائمين والمنوَّمين ليقفوا على أقدامهم ونعيد المهاجرين والهاربين والنازحين إلى مكانهم في بلادهم!

 

«فشلت الحرب في تحقيق أهدافها». دمّروا لبنان والعراق، وهجّروا أهلهما. أعادوا أفغانستان عصوراً إلى الوراء. ليبيا وسوريا مزقهوهما، وغزة هلكوها. «ولسّه بيطلع لك واحد وبيقولك الاحتلال لم يحقق أهدافه». يا رب كفى مضلّلين وغائبين عن الوعي.

 

يقول الأديب العالمي ألبير كامو في روايته «la chute»، أي السقطة أو السقوط: إنّ الرعب الحقيقي في الوجود ليس الخوف من الموت، بل الخوف من الحياة. إنّه الخوف من الاستيقاظ كل يوم لمواجهة الصراعات عينها، والخيبات عينها، والآلام عينها. إنّه الخوف من أن لا يتغيّر أي شيء أبدآً، وأن نكون عالقين في دائرة من المعاناة التي لا مَفرّ منها. وداخل هذا الخوف تنشأ رغبة، رغبة في شيء، أي شيء، يكسر الرتابة، ليمنح معنى للتكرار الذي لا نهاية له للأيام».

 

بصراحة، وبكل صدقية وطنية لا يهمّ إن سقط الحزب أو قام. أخطأ أو أصاب. جاء أو ذهب. نحن نعيش يومياً عناوين تطالعنا، لا تتوقف، ولا تنتهي ولا تكتفي من «أخطاء التقدير التي دفع ثمنها «حزب الله» والبلد. إلى «حزب الله أخطأ في تقدير ضعف إسرائيل وقوة إيران» إلى «إيران لم تعد تثق بتحقيقات حزب الله». أرسلت وفداً لكشف «الخروقات»!

 

ناهيكم عن العناوين التي لم تَعُد صالحة للقراءة من العنوان إلى المضمون. مقالات لم تعُد تميّز بين السقطة والواقعية، إذ إنّ المضمون لم يعُد فيه من شيء يُشبه العنوان بمقاييس الواقعية لِمَن يُريد أن يقرأ أو يَكتب أو يتعلّم أو كما جاء أخيراً في إحدى المقالات عن أهميّة ظهور «الحاج محمد رعد» أنّه حمل رسائل سياسية واضحة بلسان «الحزب» حيال مرحلة ما بعد الحرب، وأهمّها «الانفتاح على أيّ صيغة أو طرح يحقّق حماية لبنان من تهديدات العدوّ ومخاطره الوجودية والاستراتيجية»، مؤكّداً أنّ الضمانة السياسية لالتزام العدوّ الإسرائيلي بموجبات القرار 1701 هي معادلة (الجيش والشعب والمقاومة) من دون أن يدري هذا البعض بمن فيهم النائب رعد، أنّ هذه «المعادلات» انتهى مفعولها نهائياً، ولم تعُد مقروءة في المرحلة المقبلة على مقياس ريختر للواقعية السياسية التي أسقطت تعويذة شياطين التفاصيل.

 

العبارة وردت في «هكذا تكلّم زرادشت»، على رغم من أنّها لا تحمل بُعداً فلسفياً ولا دينياً، بل المقولة استعملها توما الأكويني في القرن الـ13 عند حديثه عن «الشيطان في التفاصيل»، للدلالة على أولئك الذين يَمضغون الماء والهواء في بلاد الطوائف التي تزرع الشوك وتحصد البلان!

 

كان واضحاً منذ بداية الحرب أنّ إيران ليست لديها نيّة الانخراط في الحرب التي اتسعت شيئاً فشيئاً بين إسرائيل و«حزب الله»، على رغم من كل الدعم المعلن في وسائل الإعلام. واقتصرت حرب الإسناد العسكري الإيراني لـ«حزب الله» على فقاعات شعبَوية كبيرة، في حين تركت الحزب في حقيقة الأمر وحيداً.

 

ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤولين إسرائيليّين وغربيّين قولهم، إنّ الحزب حَثّ إيران مراراً وتكراراً على شنّ هجمات متواصلة ضدّ إسرائيل مع تصاعد ضراوة القتال وخسائر الحزب العسكرية والمدنية الفادحة ونزوح 90% من بيئة الحزب الحاضنة، إلّا أنّ طهران تحفّظت على تنفيذ الطلب.

 

كما جاءت التصريحات الرسمية الإيرانية متوافقةً مع هذا الطرح، إذ أعلن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، أنّ بلاده لا تريد الوقوع في الفخ الإسرائيلي الساعي إلى توسيع نطاق الصراع، ما يوحي بأنّ إيران قد تخلّت عن الحزب في وقتٍ حساسٍ للغاية.

 

في هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن نبيل ميخائيل، أنّ هناك تباعداً في المواقف بين إيران و«حزب الله» منذ اندلاع حرب غزة، مضيفاً لقناة «سكاي نيوز عربية»، أنّ «حركة «حماس» و«حزب الله» أكثر من مرّة حاولا من دون كللٍ أو مللٍ إدخال إيران في معادلة الحرب، لكنّ طهران حافظت على نوع من الاستقلالية في صنع القرار، بما يخدم مصالحها الإستراتيجية التي لم تكن في بال «حزب الله» من قريب أو من بعيد».

 

التحفّظ الإيراني لم يأتِ من فراغ، وقد يكون نتيجة رسائل تلقّتها من البيت الأبيض برفع العقوبات عن طهران مقابل ضمان كَون برنامجها النووي غير عسكري وعدم سعيها إلى امتلاك سلاح نووي.

 

بعد أكثر من 3 أسابيع على دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية حيّز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، يُفرَض سؤال أساسي ومتعدّد نفسه: ما العمل؟ وماذا بعد؟ وماذا بالنسبة إلى الحزب وتحالفاته؟ وماذا عن بيئته الحاضنة أو المنكوبة؟ وماذا عن الشركاء في البلد؟

 

تتوقف الإجابات عن هذه الأسئلة المتعدّدة على عناصر متعدّدة، تبدأ بتقييم الحرب الأخيرة ونتائجها، مروراً بكيفية تفسير وتطبيق إتفاق وقف إطلاق النار، ولا تنتهي عند تقييم الديناميكيات الداخلية والإقليمية والدولية وما هو أبعد.

 

بانتظار أن تتضح الصورة المبهمة والمهشمة، واتضاح الكثير من العوامل الداخلية والخارجية، تَكثُر المعلومات والكلام والتحليلات المنطلقة من التفكير بالتمنّي بمقاربات متناقضة بحسب أهواء مطلقيها من كل المشارق والمغارب.

 

ففي مقابل خطاب «حزب الله» المعتاد، الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل عن «انتصار إلهي عظيم» كما عوّد وتعوّدت بيئته الحاضنة عليه وبعض المستفيدين، هناك خطاب يتحدّث عن هزيمة، بل نهاية حزب لا يعترف بالهزائم على طريقة دون كيشوت أو البطل الوهمي.

 

ستظل مغامرات دون كيشوت كأول وأهم رواية واقعية حقيقية، ويَصحبُها تأكيد فكرة عدم وجود أبطال، وبُرهِن ذلك عند عودة البطل الوهمي دون كيشوت إلى قراه وبلداته وضاحيته، فلم يكن بطلاً في الواقع، خصوصاً عندما وقف أمام كل هذا الدمار العظيم مع مرافقه المخلّص سانشو بانزا مردّداً مَقولة قديمة جديدة مستجدة: «من اشتراك باعك»!؟