في خضم التخبط في المعالجات الاقتصادية المالية، وفي تعاطي مكونات حكومة الرئيس حسان دياب مع التشريعات التي طرحتها لمعالجة الانعكاسات الاجتماعية والمعيشية لوباء كورونا وإفلاس الدولة والمصارف ومصرف لبنان، يحلو لأحد الذين شاركوا في التحضير لمؤتمر “سيدر” أن يتذكر بشيء من الحنين ما تقرر فيه، لأن خلاصات ذلك المؤتمر ذهبت هباء.
قبل 18 يوماً مرت سنتان على انعقاد “سيدر” في 6 نيسان 2018، من دون أن يتمكن لبنان من الإفادة منه، سواء بالنسبة إلى الإصلاحات التي أقرها وفق برنامج أقرته حكومة سعد الحريري آنذاك، أو بالنسبة إلى المبالغ التي أقرتها الدول المانحة لتنفيذ برنامج استثماري طموح بإنفاق 11 مليار دولار بين 3 و5 سنوات.
أمام فداحة الخسائر الراهنة المتصاعدة كل يوم جراء ارتفاع سعر صرف الليرة، بحيث فقدت زهاء 130 في المئة من قيمتها، شاء الرجل العودة إلى ما كان يؤمل من “سيدر” لو نُفّذت إصلاحاته، ولو بدأت الاستثمارات في البنية التحتية لبعض المشاريع الـ 180 التي رصدت لها الأموال، في القطاعات كافة.
تمر الذكرى كالحلم الذي يبدو كأنه تبخر أو فرصة طارت، بعد الانهيار السريع، وإفلاس الدولة… بات وجع الإصلاحات التي كانت مطلوبة في 2018 أشد إيلاماً. الرهان كان على تنفيذها بعد الانتخابات النيابية التي جرت عقب شهر من “سيدر”. ولمن ذاكرته ضعيفة، ضاعت 9 أشهر في تأليف حكومة ما بعد الانتخابات في متاهات سعي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لتقزيم تمثيل “الحزب التقدمي الاشتراكي”، ثم تحجيم حزب “القوات اللبنانية”، وحجب حقائب عنه وعن تيار “المردة”، ثم في سعي “حزب الله” الذي ترك حليفه يسرح ويمرح أشهراً، إلى قضم حصة الحريري بتمثيل النواب السنة خصوم “المستقبل” وحلفائه في محور الممانعة. لم ترَ الحكومة النور إلا في 31 كانون الثاني من العام 2019. كانت مطالب الدول الراعية لـ”سيدر” بسيطة: أن تثبت الحكومة مكافحتها الفساد والهدر بإقرار موازنة 2019 وخفض العجز نسبة للناتج المحلي نقطة واحدة كل سنة على 5 سنوات، والبدء في الإصلاحات من مزاريب الهدر وقطاع الكهرباء… وإنشاء لجنة رقابية على المشاريع المنتظرة بموازاة لجنة المتابعة الدولية… لم ينجح أي من هذا، لأن الحكومة تعطلت نتيجة تلاحق الخلافات على الموازنة، ثم التعيينات الإدارية، وعلى التشكيلات الديبلوماسية، ثم بسبب الخلاف على حادثة قبرشمون بفعل إصرار باسيل على ليّ ذراع وليد جنبلاط بدعم من “حزب الله”، الذي لم يتراجع إلا بعد أكثر من 40 يوماً.
لو نُفّذت الإصلاحات وبدأ تلزيم قطاع الكهرباء، ومشاريع الاستثمار أواخر 2018، لكان العجز انخفض وزادت الواردات، ولكانت مشاريع البنية التحتية ضخت بضع ملايين من العملة الصعبة التي أخذت تنفد، ولكانت فرص العمل أخذت تتوفر، قبيل ثورة 17 تشرين الأول.
“سيدر” مخرجٌ تحلّق حوله المجتمع الدولي، غير المهتم بلبنان الآن مع جائحة كورونا. ومكونات الحكومة الحالية مسؤولة عن إهدار الفرصة السابقة. وإن كانت نجحت في تشخيص الأزمة، وتبنت وصفة “سيدر” التي لم تعد كافية، لا تبدو الحلول قريبة. وبينما خرج منها الحريري وجنبلاط وسمير جعجع، سيتحمل “حزب الله”، عرابها، مع حلفائه، المسؤولية.