أغلب الظنّ أنّ كل المجهود الذي تقوم به الحكومة لمواجهة أزمة غير مسبوقة تهدد الاستقرار الاجتماعي بفعل تعدد جوانب تلك الأزمة، اقتصادياً، مالياً ونقدياً، سيذهب سدى اذا لم تتمكن من فرض الاصلاحات البنيوية سواء على المستوى المالي، أو الاقتصادي أو الإداري. ورشة متكاملة يفترص أن ترافق المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي من جهة، والجهات الأوروبية المشاركة في مشاريع “سيدر” من جهة أخرى.
بات جلياً ومحسوماً أنّ الدعم المالي للبنان، لن يكون متاحاً اذا لم تثبت السلطة بوجهيها التشريعي والتنفيذي أنّها جادة بانقلابها الإصلاحي، الذي مهما حمل أشكالاً تقنية، فلن تغيب عنه السياسة واعتباراتها.
ولهذا يذهب بعض المتشائمين إلى حدّ الجزم بأنّه حتى لو قام لبنان بتنفيذ كامل الشروط المدرجة على الأجندة الدولية بطرفيها الأميركي والأوروبي، فهو لن يكون معفياً من ضرائب سياسية قد يضطر لدفعها لفتح الباب أمام عودة “السيولة” من جديد. ويعتقد هؤلاء أنّ الورشة الإصلاحية التي تنكب الحكومة على وضع أطرها القانونية والإجرائية، ليست سوى مقبّلات الطبق الأساس الذي يراد للبنان وضعه على مائدة الصراع الإقليمي، وطالما أنّ هذا الصراع لا يزال في مساره التصعيدي، فلن تتمكن الحكومة من تجاوز جبل الأزمة الجليدي.
ومع ذلك، يمكن للمتفائلين سرد الكثير من الشواهد الايجابية التي ترفع من منسوب اقتناعهم بأنّه يمكن للبنان الخروج من النفق المالي- الاقتصادي بأقل الأضرار الممكنة، شرط تنقية بنية الدولة الادارية والمالية من مزاريب الهدر والفساد.
هكذا، يسرد المطلعون على موقف رئيس الحكومة سلسلة إشارات دولية، أميركية وأوروبية من شأنها أن تدفعهم إلى الاعتقاد أنّ الأمور ليست سلبية للغاية، ولا هي مقفلة أمام المحاولات الجدية لقلب الطاولة رأساً على عقب خصوصاً وأنّ الاصلاحات المطلوبة، وهي مصلحة لبنانية قبل أن تكون دفتر شروط خارجياً، تتطلب جهوداً مكثفة لوضعها موضع التنفيذ.
في الشكل، يتحدث المطلعون عن تطور الموقف الأميركي من الحكومة حيث تحرص السفيرة الأميركية دوروثي شيا على المشاركة التفصيلية بالورش الاصلاحية التي تستضيفها السراي الحكومي بشكل يؤكد عدم رفض ادارة بلادها للحكومة خصوصاً وأنّ ما يهم البيت الأبيض هو عدم التزام الحكومة اللبنانية بجدول أعمال “حزب الله”، لكي يفتح باب التعاون معها. أما الدليل الأكثر وضوحاً على هذا الباب فهو الرغبة التي يبديها الأميركيون لدخول مجال الطاقة في لبنان من خلال شركة “جنرال الكتريك”.
وفي الشكل أيضاً، يندرج الاجتماع التنسيقي الاول لـ”مؤتمر سيدر” الذي ترأسه رئيس مجلس الوزراء حسان دياب في السراي الحكومي، والذي شارك فيه سفراء: فرنسا، اسبانيا، سويسرا، إيطاليا، هولندا، المملكة المتحدة، ألمانيا، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وممثلون عن سفراء دولة قطر، والكويت، والمملكة العربية السعودية.
هنا يتحدث المطلعون عن ايجابية أبداها الأوروبيون خلال الاجتماع ازاء الجهود التي تقوم بها الحكومة في سياق الإلتزام بخريطة الطريق التي ينصّ عليها “سيدر” بدليل أنّ المبعوث الفرنسي المكلّف متابعة تنفيذ المقرّرات السفير بيار دوكان حرص على المشاركة في كل أعمال المؤتمر ولم يكتف بحضور الافتتاح فقط، وتفيد المعلومات أنّ نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر هي التي تتولى المتابعة المباشرة لورشة الحكومة في ما خصّ مؤتمر “سيدر”.
كما يؤكد المطلعون أنّ الأوروبيين كانوا صريحين في التأكيد أمام رئيس الحكومة أنّ مشروع “سيدر” غير مرتبط أبداً بمصير المفاوضات الجارية مع صندوق النقد، وبالاعتبارات الأميركية التي قد ترفع من منسوب الضغوطات على الحكومة لأسباب سياسية، ويشيرون إلى أنّ للأوروبيين أولوياتهم واعتباراتهم الخاصة التي تملي عليهم مساراً مختلفاً في التعاطي مع لبنان، ولعل أبرز هذه المعطيات التي قد تدفعهم إلى عدم المواءمة مع الضغوط الأميركية، هو ملف النازحين السوريين الذي يشكل واحداً من أهم اهتماماتهم في المنطقة. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ الأوروبيين مستعدون للتساهل في ملف الاصلاحات كما يرى المطلعون، لافتين إلى أنّ اقرار هذه السلة لا يرضي أبداً الأوروبيين لأن المطلوب وضعها موضع التنفيذ لتصير أمراً واقعاً ولكي لا تبقى حبراً على ورق. أما غير ذلك، فلن يرى لبنان قرشاً من “سيدر”.
تقنياً، تقدمت الحكومة بأول وثيقة رسمية إلى سيدر تعكس خريطة عملها للأجندة الاصلاحية بعد عرض ما تمّ انجازه، على أن تعمل على المرحلة الثانية (يفترض أن تنتهي خلال أسبوعين) من خلال اعادة جدولة أولوياتها من المشاريع المطروحة خصوصاً بعد تراجع المبالغ التي كانت مخصصة ضمن “سيدر” بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب العالم.