IMLebanon

ثورة الأرز.. ليست ملكاً لأحد!

مع اقتراب موعد الجلسة الثالثة والثلاثين لانتخاب رئيس للجمهورية، وتسارُع وتيرة اللقاءات الدولية والإتصالات المحلية لتذليل العقبات أمام الترشيح الجدّي الوحيد الذي طُرح منذ الشغور الرئاسي، أي منذ ما يقارب العام ونصف العام، ظهرت معارضة مسيحية شرسة، تنقض إتفاق بكركي الذي نصّ على اختيار مرشّح من «الأربعة الأقوياء»، والذي يندرج النائب فرنجية من ضمنهم، ليدعمه الآخرون، أو حتى دعم مرشّح غير قوي على أن يحظى بالإجماع الوطني!

وتقع المفارقة في السلبية التي جمعت ألدّ الأعداء، أي الجنرال عون ود. جعجع، على التعطيل مجدداً، أسوة بالتشريع في مجلس النواب، وإعادة مناقصة النفايات إلى المربّع الأول… فعندما فشلت التسوية في جمعهما، نجحت المعارضة والرفض للحلول المطروحة في ذلك، وتوافقا على التعطيل في أكثر من محطة.

وعلى الرغم من الجدليّة المشروعة التي تدور حول ترشيح فرنجية، كونها تُخالف مبادئ 14 آذار، وتضرب وحدة صفّ 8 آذار، إلا أن قلب الحقائق وتحويل الهواجس من نقطة معيّنة، لتعميمها على أنها محاولة لتهميش القرار المسيحي، إضافة إلى إعادة إحياء خطاب طائفي بغيض، ظنّ اللبنانيون عموماً، وجمهور 14 آذار خصوصاً، أن لا عودة إليه، هو أمر مرفوض تماماً..

لقد دفع لبنان بكل أطيافه، أغلى الأثمان في انتفاضة الأرز وما بعدها، ولم تبخل الطائفة السنّية بتقديم كوكبة من النخبة كشهداء على مذبح الوطن.. وبالتالي، من غير المنصف ولا حتى الواقعي تصوير الواقع على أن فريقاً من اللبنانيين يفرض مرشّحاً على المسيحيين، ويسلب قرارهم، وهو بذلك يُعيد حقبة السوريين إلى البلد (كذا)، وبالتالي لا بدّ من تكتل القوى المسيحية لمواجهة هذا الواقع، كما فعلت في المراحل التاريخية السابقة، أي في مرحلة الحرب الأهلية المشؤومة!!

أولاً، إن مبادرة ترشيح النائب فرنجية إنما هي ثمرة مبادرات وتفاهمات دولية، إنعكست إيجاباً على الداخل، عبر فتح قنوات الحوار والتواصل بين الشركاء من مختلف الأفرقاء.

ثانياً، إن ترشيح سليمان فرنجية يأتي تحت مظلّة إتفاق بكركي ومباركته، بما أنه أحد الأسماء القويّة التي توافق عليها الأفرقاء المسيحيون، وقد جاءت من باريس بعد فشل الأقطاب المسيحيين على مدى سنة وسبعة شهور على التوافق في ما بينهم، ولا يمكن أن يبقى وطنٌ مشرّعٌ في مهبّ العواصف الإقليمية دون حصانة لدولته، بسبب تعنّت فريق من أبنائه وتمسّكهم بـ«الأنا أو لا أحد».

ثالثاً، إن النتيجة لكانت واحدة مهما كانت التسمية، لأن الوفاق المسيحي مفقود، وكل مرشّح يعتبر أنه الأولى بالكرسي الرئاسي، ولكان السيناريو نفسه تكرر، لو كان التوافق اجتمع على العماد عون أو الدكتور جعجع أو الرئيس الجميّل.. وبالتالي، لا بدّ من المضي قُدماً، بعيداً عن الشخصنة والكيدية، حتى لا يُهمّش وطن بأكمله وتُضرب مؤسسات الدولة بشكل نهائي يصعب ترميمها في ما بعد.

وأخيراً وليس آخراً، إن 14 آذار كانت ولا زالت فكراً سياسياً حرّاً إنبثق من شباب حاول كسر القيود وتحقيق حلمه بالديمقراطية ودولة المؤسسات، ونجح إلى حدّ ما بفضل إنتفاضته السلمية الراقية وليس بفضل التحالفات السياسية، بما أنها لم تدم طويلاً.

ولكن للأسف بقيت 14 آذار ذكرى وطنية في قلوب الآلاف الذين نزلوا إلى ساحة الشهداء، ولا زالوا حتى اليوم يبحثون عن أحلامهم المبعثرة، وليست إنتصاراً سياسياً لفريق لم يعرف كيف يُحافظ على إنجازات هذا الحراك، ولا مطية سياسية يستثمرها يوماً، ويبيعها في اليوم التالي، حسبما تقتضي المصالح!