لا توحي زيارة بيار دوكان المسؤول عن تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر ولا تصريحاته التي أطلقها في الأرجاء اللبنانيّة باطمئنان دول سيدر إلى إجراءات الإصلاح التي وعدت الحكومة اللبنانية باتخاذها، حدّد دوكان مهلة زمنيّة للحكومة «الأمور يجب أن تجري بسرعة خلال ثلاثة أو أربعة أشهر»، ويبدو دوكان متفائلاً جداً في تحديد هذه المهلة الضيقة لأنّ «الحكومة لا تملك ترف تضييع الوقت»، كان على دوكان التفكير قليلاً في الحكومة التي استغرق تشكيلها 9 أشهر، فعن أي وقت وأي ترف تضييعه يتحدّث؟!
«إصلاح ملف الكهرباء ووقف الهدر وإيجاد خطة لمعالجة النفايات»، جماعة سيدر متفائلون عندما يطالبون بوقف الهدر في ملفّ الكهرباء، من باب الأدب تطلق كلمة «هدر» على أكبر عمليّة نهب منظّم لمقدّرات الدولة وأموالها على مدى أربعين عاماً، سرقة خياليّة ولا تزال مستمرّة، ومع هذا دول سيدر متفائلة بأنّ إصلاحاً ما ستتخذ إجراءاته في هذا الملفّ!! أمّا ملفّ النفايات فحدّث ولا حرج، أي إصلاحات، لأيّ تمويل دولي لإنقاذ الإقتصاد من الانهيار، هؤلاء لا يعرفون العقليّة اللبنانيّة والتذاكي ولعب التلات ورقات، في لبنان محترفون في التحايل على الأرقام والإيحاء بالإصلاح، طالما هناك أوروبيّون سُذّج يطالبون فقط بعناوين إصلاحيّة!
دوكان المستعجل تحدّث في مؤتمره الصحافي عن أنّ «الحكومة لا تملك ترف الانتظار، عنوان البيان الوزاري هو إلى العمل، ويجب العمل بسرعة»، ترف الإنتظار مهارة يختصّ بها اللبنانيّون، هم أمهر الناس في لعبة تضييع الوقت وهدره بالتباطؤ والتواطؤ، لم يسأل بيار دوكان الحكومة اللبنانيّة عن خطتها أو خطة عملها الواضحة لبرنامج الإصلاحات المطلوبة، ربما من شبه المؤكد أنّ الحكومة لا تملك لا خطة إصلاح ولا من يحزنون، قد تكون خطتها منح عناوين لـمّاعة للأوروبيّين الذين يطالبون بـ»إشارات إيجابية للمجموعة الدولية» ليس إلا.
للمفارقة، يغري بيار دوكان المسؤولين الحكوميّين بأنّه «لا يوجد وقت لإضاعته، الاستثمارات هي من مصلحة لبنان. الأموال موجودة، ولكن ليس للتوزيع مجاناً»، جرّب الأوروبيّون لبنان وحكوماته منذ باريس 1 إلى باريس 3، وأمام باريس 4 (سيدر) يحاول المانحون الأوروبيّون التذاكي، يريد أن يقرضوا لبنان وفي نفس الوقت خائفون من سرقة هذه القروض، المدهش أنهم مستعجلون على تصويب أداء الحكومة والدولة اللبنانيّة وإخراجها من عقلية هدر وسرقة أموال اللبنانيّين، فيما هذه الأخيرة غير مستعجلة على كلّ هذه الإصلاحات، ثمة لعبة الجميع منشغل بها هذه الأيام «محاربة الفساد»، مع العلم أنهم كلّهم فاسدون ومرتكبون وبالرغم من معرفة الجميع بأسماء الحيتان الكبيرة إلا أن الجميع يتجاهل حتى ذكر أسمائها!
لا أحد يعرف إلى متى ستستمرّ لعبة الحديث عن الإصلاح ما دام الوقت ضيقاً جدّاً ولا يتجاوز الأشهر الأربعة، في الأساس ما هو التصور الإصلاحي الذي وضعته الحكومة لوقف الهدر والسرقات في ملف الكهرباء، وما هو التصور الجدي الذي وضعته الحكومة لمعالجة ملفّ النفايات، هذا إذا لم ندخل في أزمة تكدّسها في الشوارع من جديد؟ لا يوجد مسؤول واحد يستطيع أن يصارح اللبنانيّين ويقول هذه هي خطتنا من الألف إلى الياء، نحن أمام مجرّد عناوين تسمح للجميع التهرّب من مسؤولياتهم ومخادعة النفس والشعب ودول العالم أيضاً، ويبدو أنّ جماعة «سيدر» لا يطلبون أكثر من مجرّد عناوين فهو الدائنون والشعب اللبناني المسكين سيدفع فوائد الدين إلى ما شاء الله!