Site icon IMLebanon

الدولة تبدأ من اليوم استرداد الخلوي… لتنظيفه من عقود التنفيعات!

 

 

لم ينتظر النائب فيصل كرامي، وزير الاتصالات طلال حواط المحسوب سياسياً على “اللقاء التشاوري”، ليزفّ إلى اللبنانيين قراره باسترداد إدارة قطاع الخلوي، فسارع إلى إعلان “البشارة” بنفسه عبر تغريدة لم يتردد في الإشارة خلالها إلى أنّها “خطوة أولى في مسيرة الإصلاح وإيقاف الهدر”.

 

من تابع هذا الملف مع كرامي، يعرف جيداً أنّ النائب الطرابلسي كان طوال تلك المدة أشبه بكاسحة ألغام غير مرئية، تعمل بصمت لتذليل العراقيل السياسية التي تعتري خطوة لا بدّ منها في زمن بعد 17 تشرين الأول، وكادت في لحظات تحول دون رؤيتها النور، بحجج قانونية تتصل تارة بمصير الموظفين في شركتيّ “ميغ 1” و”ميغ 2″، وطوراً بالخشية من الاصطدام بقنبلة المحاصصة السياسية لحظة تشكيل مجلسي إدارة جديدين يسيّران الإدارة ريثما الانتهاء من وضع دفتر شروط وإجراء مناقصة عالمية، وتلزيم شركتين جديدتين إدارة القطاع.

 

خلال الأسابيع الماضية، تكثّفت الاتصالات واللقاءات على المستوى السياسي، شارك فيها رئيس الحكومة حسّان دياب الذي كان يتابع الملف بدقائقه وحيثياته مع وزير الاتصالات، للوصول إلى صيغة قانونية تسمح بالاسترداد من دون ارتكاب أي دعسة ناقصة قد تعرّض الحكومة للاستهداف، خصوصاً وأنّ حواط كان خلال الفترة الأخيرة موضع انتقاد شديد اللهجة من جانب مجموعات مدنية ناشطة، اتهمته بالتواطؤ مع شركتيّ “زين” و”أوراسكوم” لمصلحة التمديد لهما.

 

“الحدفة المفصلية”

 

أما “الحدفة المفصلية” فقد تولى “حزب الله” القيام بها لأن المسألة أصبحت جزءاً من كل: بعد مشهدية مجلس النواب، وانهيار العملة الوطنية وتوسّع الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، واتهام حاكم مصرف لبنان باستخدام الدولار في إدارة لعبة سياسية والسير في خيار سبر غور “خزائن” المركزي… لا يمكن تمديد الأمر الواقع في قطاع الخلوي وكأن شيئاً لا يحصل. لا ينظر اليه “حزب الله” على أنه أحد القطاعات العامة فقط، وإنما ثمة نظرة استراتيجية لدور الدولة العميق بعد كل هذه التطورات، لا سيما في ما يخص القطاعات الخدماتية. ليس المطلوب أن تتولى الدولة ادارة القطاع بشكل نهائي، ولكن صار لا بدّ من اقفال الصناديق السوداء.

 

هي عملياً، جولة أولى في معركة صعبة يفترض أن تتكلل باقتحام قطاع الخلوي، الذي هو أشبه بمغارة بحدّ ذاتها لا تقلّ أهمية ونفوذاً وغنى عن مصرف لبنان، حيث تذوب عند حدوده الاصطفافات السياسية الحادة وتحديداً بين ضفتيّ 14 و8 آذار، اللتين تتصارعان على كل شيء، إلا على مصالحهما الحيوية، والخلوي أحد تلك المجالات الذي يسمح بتوحد جهود الخصوم في مواجهة “العقلية الإصلاحية”، التي قد تضع حداً لمزاريب الهدر حيث يعتبر الخلوي “آخر الدجاجات التي تبيض ذهباً”. ولذا بدا كرامي مزهواً بالقرار الذي اتخذه حواط بعد الكثير من الأخذ والرد والنقاش، خصوصاً وأنّ النائب الطرابلسي نجح في الإيفاء بالوعد الذي أطلقه في السادس من آذار الماضي بأنّ وزير الاتصالات لن يقوم إلا بما فيه مصلحة اللبنانيين، إلا أنّ حالة التعبئة العامة أجّلت المشروع، فيما أظهرت المباحثات خلف الجدران أنّ هناك الكثير من القوى السياسية، حليفة وخصمة، غير متحمسة لقرار الاسترداد وتفضّل تمديد الوضع القائم، على كشف الغطاء عما يحصل في مغارة الخلوي.

 

مسألتان كانتا تؤخران قرار حواط، وفق مواكبي هذا الملف: مصير الموظفين بحثاً عن صيغة قانونية تحميهم وتؤمن استمرارية عملهم، ومجلسا الادارة المفترض تشكيلهما لتسيير القطاع في ضوء الخشية من تفجير الخطوة بفعل المحاصصة السياسية.

 

في المسألة الأولى، بقيت الخشية على المصير القانوني للموظفين عالقة حتى اللحظات الأخيرة قبل التفاهم على صيغة تحمي وضعيتهم، سواء في المرحلة الانتقالية أو في المرحلة اللاحقة مع تلزيم الإدارة إلى شركتين جديدتين. المشكلة ناشئة عن واقع حصل بعد فسخ عقود الـBOT وصارت الدولة ممثلة عبر أسهم في شركتيّ “ميغ 1” و”ميغ 2″، اللتين تملكان الشبكات والمسؤولتين عن تأمين رواتب الموظفين بعدما جرى نقل صلاحية التحكم بالنفقات التشغيلية Operating expenses OPEX إلى وزير الاتصالات، الذي يحق له تغذية هذه النفقات من مداخيل القطاع.

 

في تلك المرحلة حين استردت الدولة ادارة القطاع للانتقال إلى النموذج التشغيلي، طلبت من الشركتين اللتين لزّمتا الإدارة، أي إدارة الموظفين، صيانة الشبكات، مصاريف الكهرباء والمازوت والإيجارات، التعامل مع الموظفين وكأنهم بالإعارة ليقوموا بواجباتهم فيما الدولة، عبر الوزارة، تتولى دفع رواتبهم. ولذا فإنّ المعالجة قد تكون من خلال سؤال الموظفين عما اذا كانوا يرغبون بالانضمام إلى “ميغ 1″ و”ميغ 2” في المرحلة الانتقالية، قبل الانتقال من جديد إلى الشركتين اللتين سترسو عليهما المناقصة، خصوصاً اذا ما تمّ تحميلهما النفقات التشغيلية كما يضغط “الاصلاحيون”، أو الاستقالة.

 

شروط نجاح الاسترداد

 

ولذا يقول هؤلاء إنّ قرار الاسترداد هو خطوة أولى على طريق الألف ميل لإصلاح القطاع وتنقيته من فجوات الهدر، التي قضمت منه مئات ملايين الدولارات بشهادة كلّ المعنيين. وبالتالي إنّ نجاح المرحلة الانتقالية يستوجب وقف التوظيف نهائياً، منع المحاصصة السياسية لتشكيل الادارة، وقف المصاريف الرأسمالية capital expense CAPEX بعدما جرى تبديد أكثر من 4 مليارات دولار، وتخفيض تلك التشغيلية إلى حدودها الدنيا الضرورية جداً، على أن تشمل الايجارات وعقود الصيانة والرواتب والمازوت… والأهم من ذلك كله، اعادة النظر بعقود التنفيعات حول الصيانة والتوريد والخدمات الاضافية VAS التي تعتبر باباً واسعاً للهدر والفساد، وإلا فإنّ خطوة الاسترداد لن تكون ذات فائدة اذا لم تساهم في تقليل المصاريف بشكل كبير ورفع مدخول الدولة بشكل ملحوظ، تمهيداً لإجراء مناقصة شفافة بإدارتها وشروطها تكون على مستوى تطلعات اللبنانيين. أما المسألة الثانية المرتبطة بتشكيل مجلس إدارة للمرحلة الانتقالية، فيبدو أنّ تفاهماً سياسياً حصل، عمل كرامي على حياكته، يحمي تلك الخطوة من “فيروس” المحاصصة.

 

تقنياً، سيبلغ وزير الاتصالات مجلس الوزراء اليوم بقرار استرداد الإدارة على أن يقوم بعد ذلك بتوجيه كتابين مماثلين إلى مديري زين و”أوراسكوم”، طبقاً للمادة 31 التي تنصّ على مهلة شهرين للتسليم والتسلّم، حيث يفترض أن تبدأ بعد ذلك مرحلة الاسترداد التدريجية، على أن يعمل خلالها الوزير على إعداد دفتر شروط تمهيداً لإجراء مناقصة عالمية، بالتوازي مع نفضة إصلاحية يفترض أن يشهدها القطاع لـ”تنظيفه” من عقود التنفيعات، والإعداد لتشكيل الهيئة الناظمة.