من يسمع أقوال وزير الاتصالات طلال حواط حول تأكيده أنّ “عملية استرداد الدولة قطاع الخلوي تسلك المسار المتفق عليه وفق العقد بين وزارة الاتصالات وشركتيّ الخلوي، خطوة بخطوة.. والقطاع يُدار اليوم من قبل الدولة والشركتين وفق ما يُعرف بـ”Combination”، يصدّق أنّها “فترة التسليم والتسلم”. ولكن من يرصد الحركة في الشركتين المشغّلتين، يثبت له بالوجه الشرعي أنّ “أوراسكوم” و”زين” ترفعان رجليهما، وكأنهما باقيتان إلى اجل غير محدد. يوم أعلنت الحكومة استرداد ادارة القطاع، قدّم رئيس الحكومة حسان دياب الخطوة على أنّها بمصاف الانجازات المدوّنة على سجل الحكومة الذهبي، والمفترض أنّها ستتوّج بوضع الوزير دفتر شروط جديد يتسم بالشفافية والمعايير العلمية، تمهيداً لاجراء مناقصة عالمية تسمح بدخول شركتين جديدتين سوق الخلوي اللبناني، بشكل يحسّن مداخيل الدولة ويطور القطاع ويحدّثه.
وبعد مرور حوالى شهر على قرار الاسترداد، وأكثر من ثلاثة أسابيع على إبلاغ الشركتين بالقرار، لا تزال الأمور في “ميك1″ و”ميك 2” على حالها. لا بل يقول أكثر من موظف إنّ لا شيء يدّل على أنّ القطاع يمرّ في مرحلة انتقالية، وما يحصل داخل المكاتب يؤكد بما لا يقبل الشكّ أن “أوراسكوم” و”زين” مستقرتان في موقعيهما.
كثيرة هي الشواهد التي يبرزها موظفون في “ميك 1″ و”ميك 2” تثبت أنّ اجراءات التسليم والتسلم نظرية، ولا ترجمة فعلية لها، في حين يستعيد بعض القدامى تجربة الاسترداد السابقة حيث امتنعت حينها الشركتان، وفور تبلغهما القرار عن القيام بأي خطوات اجرائية مقابل المضي قدماً في “طقوس” التسليم. فشركة سيليس العالمية، وعلى سبيل المثال، قامت بتسليم القطاع، بعدما كانت تديره برمته، للدولة خلال أربعين يوماً، فيما تجربة الاسترداد التي حصلت منذ ست سنوات تقريباً بدأت تجلياتها في اليوم الثاني للقرار، حيث امتنعت الشركتان يومها عن اتخاذ أي قرار اجرائي وقد عمد المسؤولون فوراً الى مغادرة مكاتب “ميك1″ و”ميك 2”.
أما اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على التبلغ، فيمكن اختصار المشهد في الشركتين ببعض الأدلة غير المشجعة:
– إنّ الشركتين المشغلتين لم تعودا تديران لا المصاريف الرأسمالية capital expense CAPEX ولا المصاريف التشغيلية Operating expenses OPEX، بعد استعادتهما من جانب الدولة مع الوزير السابق نيكولا صحناوي (والتي كانت باباً لهدر مئات ملايين الدولارات)، وبالتالي إنّ اجراءات التسليم محصورة جداً.
– يقول وزير الاتصالات عن العملية الانتقالية إنّ “هناك أموراً ادارية وإجرائية فنية وتقنية ومالية تحتاج تدقيقاً واسعاً، ولا بد من إجراء عملية تدقيق محاسبية (اوديت) لمعرفة ما للوزارة وما للشركتين، ولمعرفة ماذا يوجد من مشتريات وبضائع وما تم تنفيذه واستهلاكه من معدات وما بقي في المستودعات، عدا عن تسليمنا الداتا التي بحوزة الشركتين. ولذلك ستستعين الوزارة بشركة “اوديت” عالمية معروفة للتدقيق في كل الامور توخياً للدقة وللشفافية”، مع العلم أنّ “ميك1 ” و”ميك 2″ تستعينان بشركتي تدقيق عالميتين، وبالتالي إنّ اللجوء إلى شركة ثالثة فيه الكثير من علامات التشكيك.
– لا يتردد أحد مديري الشركتين المشغلتين في الإفصاح والتأكيد أمام بعض كبار الموظفين أنّ شركته باقية وأنّ ما يحصل هو مجرد مماطلة لكسب الوقت لا أكثر! وهو لا يزال مواظباً على اعطاء التعليمات واتخاذ القرارات.
– تعاني بعض مواقع الشركتين من نقص في الفيول فيما يمتنع الوزير عن التوقيع بشكل يثير حيرة الموظفين خصوصاً وأنّ قرار التوقيع المالي عاد للدولة.
– يغرق في الفوضى من تبقى من موظفي هيئة الإشراف من قبل المالكين على القطاع، ومن تمّت اعادته بفعل التدخلات السياسية بعد ابلاغهم بانتهاء عقودهم نتيجة انتهاء عقدي الشركتين المشغلتين، نظراً لغياب خطة الاستلام.
لا يصدق كبار الموظفين في الشركتين أن “أوراسكوم” و”زين” تستعدان لمغادرة القطاع اللبناني، لا بل يكادون يلمحون إلى أنّ استرداد الادارة هو مجرد خبرية خيالية يتمّ التداول بها، وأنّ هناك من يراهن على سقوط الحكومة في وقت قريب ليسقط معها مشروع الاسترداد الذي لا يزال حبراً على ورق. ويقولون: كيف يمكن لشركة يفترض أنها ستغادر خلال أيام قليلة مقبلة، أن تسطر كتاباً الى احدى السفارات تؤكد فيه أنّ طالبة الفيزا هي موظفة في الشركة في لبنان وتقدمت بطلب اجازة بداعي السفر!
على ضفّة وزير الاتصالات، القرار محسوم وواضح ولا تراجع عنه على الرغم من كل الالتباسات التي يحاول البعض تصويرها وكأنها تصب في خانة المماطلة. يلفت المطلعون على موقفه إلى أنّ النقطة المحورية في المسار الانتقالي تكمن في تسمية مجلسي ادارة جديدين، مؤكدين أنّ هذين المجلسين سيبصران النور في وقت قريب ليبدأ كل منهما ممارسة صلاحياته بعد انتقالها من الشركتين المشغّلتين، اللتين تبديان رغبة شديدة في الخروج من السوق اللبناني، لا سيما بعد الانتقادات التي تعرضتا لها خلال الفترة الأخيرة. ويؤكدون أن التسليم والتسلم مسار طويل يتضمن الكثير من المراحل التفصيلية الواجب تنفيذها بدقة، وقد تمّ تنفيذ جزء كبير منها.