باركت لجنة الاتصالات النيابية التوزيعة السياسية الطائفية التي توصّل إليها وزير الاتصالات لاختيار مجلسي إدارة جديدين لشركتي الخلوي. الحجة أن هذا لبنان. وإذا لم تسر الأمور على هذا النحو تُعرقل. كان يفترض أن يكون مجلس الإدارة مؤلفاً من ثلاثة أعضاء، لكن عندما تبين أنه لا يتسع لكل الولاءات، زيد العدد إلى خمسة. نظرياً حلّت الأزمة، لكن يبقى التنفيذ. فهل تنتهي المماطلة التي استمرت لخمسة أشهر ويُسترد قطاع الخلوي؟
زادت المماطلة عن حدّها. لم يعد مقبولاً بعد شهر من موافقة مجلس الوزراء على قرار استرداد شبكتي الخلوي أن تبقى الأمور على حالها. حتى المحاولات الشكلية لتعيين مجلس إدارة جديد لكل من الشركتين يصطدم بالعراقيل التقليدية. القطاع يعيش فترة شديدة الحساسية، فيما السياسيون يستمرّون في إحصاء أزلامهم في الإدارة، ساعين إلى زيادتهم. لا أحد يريد أن يخرج من الستة والستة مكرر. يعلن رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسين الحاج حسن أن وزير الاتصالات في صدد تعيين مجلس إدارة يراعي التوازن الطائفي والكفاءة. هاتان صفتان لا تلتقيان إلا في لبنان. إن كانت الكفاءة حاجة ملحّة، فما فائدة التوازن الطائفي في إدارة شركتين، يفترض أنهما مصدر الدخل الأبرز للخزينة. لا مكان للبديهيات. الواقع أقوى من المرتجى. وهو صامد حتى لو انهار البلد. يوم الإثنين، أراد وزير الاتصالات أن يستبق جلسة لجنة الإعلام التي عقدت أمس، بإعلان تعيين أعضاء مجلسي الإدارة. لم يكن البحث مرتكزاً على الكفاءة، وإن قد يكون المعيّنون كفوئين. البحث طال الولاءات السياسية والطائفية فقط، مع مراعاة الاختيار من داخل الشركتين. القسمة رست حينها على أن تكون «ألفا» مسيحية الهوا باسيلية الإدارة، و»تاتش» إسلامية الهوا حركية الإدارة. عملياً، لن يتغير شيء بين إدارة الدولة للقطاع وإدارة القطاع الخاص. في الحالتين، تمت المحافظة على التوازنات السياسية والخدماتية نفسها.
كان متوقعاً أن تخرج الأسماء كالتالي: مجلس إدارة «تاتش» يؤلف من علي ياسين (عضو حالي من حصة حركة أمل) رئيساً، حياة يوسف (محسوبة على فيصل كرامي)، وشربل قرداحي (عضو حالي من حصة التيار الوطني الحر) وعضوان. مجلس إدارة «ألفا» مؤلف من رفيق حداد (تيار) رئيساً، والعضوان ألين كرم (التيار) وعماد حامد (الحزب التقدمي الاشتراكي). القسمة فرطت عندما خرج من يرفض حياة يوسف، ساعياً إلى استبدالها برلى أبو ظهر، التي تحظى بدعم أمني وسياسي. أُحرج وزير الاتصالات. لا يمكنه أن يتخلى عمّن سمّاها كرامي، ولا يمكنه أن يخالف رأياً وازناً. دعم واضح تلقاه من النائب جميل السيد، الذي اعتبر أن مافيا الشركتين بدأت منذ صدر قرار استرداد القطاع بعرقلته عبر: تأخير رواتب الموظفين، تأخير تزويد المحطات بالمازوت، السعي لفرض أزلامها في مجلس الإدارة، حملات على الوزير.
لم يتأخر الوقت، قبل اجتراح الحل على الطريقة اللبنانية أيضاً. بدلاً من ثلاثة صار عدد أعضاء مجلس الإدارة خمسة. هكذا يمكن استيعاب كل الأطراف. هذا ما أبلغه حوّاط لأعضاء لجنة الاتصالات. ببساطة، يقول عضو في اللجنة: هذا هو الواقع، الوزير مضطر إلى إرضاء كل السياسيين، وإذا لم يفعل يعرقلون عمله. تبرير الاعوجاج مستمر. لماذا افتعال مشكلة للاختيار بين أبو ظهر ويوسف، على سبيل المثال؟ فلتُعيّن الاثنتان، وهكذا دواليك. الحجة أن لا رواتب إضافية ستدفع، وبذلك إن كان عدد أعضاء مجلس الإدارة ثلاثة أو خمسة أو سبعة، لن يؤثر ذلك على مالية الدولة (طالما أن الاختيار يتم من داخل الشركة). لكن ذلك لا يأخذ بعين الاعتبار أن عضو مجلس الإدارة يفترض أن يحمل تلقائياً سهماً في الشركة. تضاعف عدد حاملي الأسهم، لكن لا يهم.
في المحصلة، يجزم مصدر مطّلع بأن الأمر انتهى، وما هي إلا أيام حتى يعلن وزير الاتصالات أسماء المعيّنين في مجلس الإدارة. قانونياً، إعلان الوزير لا قيمة له. فالمخوّل حق التعيين هو الجمعية العمومية للمساهمين. ولتجتمع، يُفترض أن تتم دعوة حاملي الأسهم خطياً، قبل 20 يوماً من الاجتماع، على أن يقترح المساهم الأكبر، أي وزارة الاتصالات عبر مصرفي عودة وفرنسبنك، الأسماء المقترحة لعضوية مجلس الإدارة.
حواط يوسّع مجلس إدارة شركتي الخلوي لإرضاء كل الأطراف!
كل ذلك لا يزال مجرد فرضيات، ما دام الاسترداد لم يتحقق بعد. «بدأت الوزارة بالتسلم» عبارة تتردد منذ أكثر شهر، لكن الواقع مختلف. المماطلة صارت مريبة. منذ شباط صدرت استشارة هيئة التشريع والاستشارات بوجوب الاسترداد فوراً، لكن الوزارة لم تكترث. بعدها نقل عن الوزير طلال حواط قوله لأعضاء لجنة الاتصالات (25 شباط) إن «قيمة الشركتين والمداخيل ستتدنى في حال استردادها من قِبل الدولة، لأنّها مُدير سيّئ»، مُتحجّجاً بأنّ الوضع الاقتصادي «سينعكس على مداخيل القطاع، لذلك يجب تخفيض المصاريف». بعد نحو شهر، غيّر رأيه، وصار مؤيداً للاسترداد. نال التنويه والإشادة من كثر، قبل أن يعلن أن عملية الاسترداد قد تحتاج إلى ثلاثة أشهر. لماذا تحتاج إلى كل هذه المدة؟ لم يقل. في هذا الوقت، كانت شركة زين تفتي باستمرارها في الفترة الانتقالية «في إدارة شركة تاتش بواسطة مجلس إدارة تسمّيه بناءً على المسؤولية التي تتحملها إلى حين إتمام عملية التسليم والتسليم بشكل نهائي». من أين أتت بهذه الفتوى؟ لم تقل، لكنها لم تتوقف عن تبرير توقّفها عن عدم دفع الأموال للمتعهدين وللموظّفين. المقتنعون بأن ما تفعله الشركة يندرج في إطار الضغط لعدم الاسترداد كثر. لكن الشركة تؤكد أن عدم تجديد صلاحيات مجلس الإدارة أفقده صلاحية صرف الأموال، لكنها في المقابل تعلن أنها لن تمانع أن تدفع من أموالها لموردي المازوت. هذا يؤكد أن الحل كان بيدها لكنها لم تلجأ إليه. الوزير يتحمل المسؤولية أيضاً. لم يحرك ساكناً لإنهاء معاناة الموظفين أو الموردين التي تتكرر شهرياً. وهو، للمناسبة، حلّ أزمة رواتب شهر أيار من خلال تجديده ولاية مجلسي إدارة الشركتين لثلاثة أيام، بما يمكّنهما من توقيع صرف الرواتب.
هل انتهت المماطلة؟ تجارب الأيام والأشهر السابقة تدل على أن المماطلة صارت نهجاً. وهذه المرة يفترض أن يبصر مجلسا الإدارة، الموزّعان طائفياً وسياساً، النور قريباً، على أن تبدأ بعدها عملية الاسترداد، طبقاً للمادة 31 من العقد. وهي آلية لا تحتاج إلى شركة خاصة تنظمها أو تديرها، بخلاف ما قرّرته وزارة الاتصالات التي كلّفت شركة PMI بالإشراف على عملية التسلّم والتسليم، وهي المكلّفة بالتدقيق في مالية الشركتين أساساً.