كان من المتوقع أن يظهر بشار الأسد على شاشة المحكمة الدولية التي تتواصل جلساتها في هولندا لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري. لكن أن يكون هذا الظهور من خلال هاتفه المباشر من ضمن الهواتف التي جرى التواصل معها من قبل المجموعة المتهمة بتنفيذ جريمة 14 شباط 2005، كما ورد في تغطية الزميل فارس خشان في “المستقبل”، ينطوي على مفاجأة مدوّية. وإذا استغرب أحد هذه الواقعة وشكّك فيها فهناك ما يماثلها في القضية نفسها عندما كشف التحقيق الدولي في الجريمة ان محمود عبد العال، وهو من جمعية “الأحباش” المعروفة، اتصل من هاتفه الخليوي قبل دقائق من ساعة وقوع الجريمة بالهاتف الخليوي لرئيس الجمهورية في حينه إميل لحود. ولا داعي للتذكير بأن حصول فرد من المجموعة المتهمة باغتيال الحريري أو أكثر على الرقم الشخصي للأسد مثلما كان حال عبد العال مع هاتف لحود يدلان على أن رئيس النظام السوري وزميله اللبناني كانا حريصَين جداً على تتبّع وقائع الجريمة مع منفّذيها أو المشاركين فيها، ولو كان هؤلاء في مرتبة دنيا مقارنة بمرتبتيْ رئيسيْ جمهوريتي لبنان وسوريا. وسيكون فهم الجميع كافياً لكي يسقط من الاحتمالات أن يكون المشتبه فيهم في الجريمة من أصدقاء الأسد ولحود لتحصل بينهم جميعاً أحاديث ودّية ليس بينها اغتيال الحريري!
يأتي هذا التطور المثير حول الهاتف الخليوي للأسد فيما كانت الزميلة “السفير” ولا تزال تنشر فصولاً من كتاب النائب في كتلة “حزب الله” حسن فضل الله والذي يُغطي مرحلة اغتيال الحريري وحرب العام 2006. وما نُشر من فصول يدلّ على ان “حزب الله” لا يكترث لاغتيال الحريري بل يهتمّ فقط في إظهار سعي الحريري الى إزاحة الرئيس نبيه بري من منصب رئاسة مجلس النواب كما حاول أيضاً لاحقاً نجل الحريري الرئيس سعد الحريري. لم يحرّك هذا الأمر ساكناً في أوساط الرئيس بري الذي كان حتى يوم أمس على تواصل مع رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة ومدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري. وفي الفصول المنشورة حتى إعداد المقال حشد من الاتهامات لحكومة الرئيس السنيورة في فترة حرب تموز عام 2006 وكذلك لقوى 14 آذار بالتواطؤ لإطالة أمد الحرب الإسرائيلية ونزع سلاح المقاومة. ومثل هذه الاتهامات التي تستأهل أشد الإدانة للرئيس السنيورة وفريق 14 آذار، تحتاج فقط إلى أدلّة لم تكن موجودة إطلاقاً كحال رواية المؤلف حول سعي الرئيس رفيق الحريري وبعده الرئيس سعد الحريري إلى إزاحة الرئيس بري من موقع رئاسة البرلمان والتي لم يُسند إليها أي إثبات. في هذه الحال يمكن القول إن الكتاب يمثّل حالة بائسة ليست هي الأولى من حالات بؤس وقعت في روايات الحزب في مسائل عدة يطول تعدادها. وحبّذا لو كانت لفضل الله أدوات “ويكيليكس” الشهيرة التي زلزلت العالم طويلاً. وفي أضعف الإيمان لو أعاد قراءة البرقيات حول بري وعدد من أعوانه وما قالوه في “حزب الله” لهانت عنده ما قاله مالك في الخمرة.