ما يصل إلى ثلاثة ملايين دولار نقداً حُرمت منها شركتا الخلوي لتلكُّؤ كلتيهما عن مطالبة شركة «أريبا» بها. استغلت الشركة ذلك، ودفعت الأموال المحصّلة لمصلحة الشركتين من عمليات تجري في الخارج، عبر تحويلات مصرفية داخلية، محقّقة أرباحاً ضخمة على حساب المال العام
بدأت شركتا الخلوي «ألفا» و«تاتش» إجراءات قانونية لمطالبة شركة «أريبا»، المختصة بإدارة العمليات المالية الإلكترونية للشركتين، بتسليمهما الأموال المحصّلة من عمليات نُفّذت في الخارج بـ«الفريش» دولار بدلاً من التحويل المصرفي الداخلي الذي يعني خسارتهما أكثر من 80 في المئة من مستحقاتهما.
قبل تشرين الأول 2019، كانت الأمور تجري بسلاسة، بحسب العقود الموقّعة. «أريبا»، المسؤولة عن إدارة منصتَي الدفع المتاحتين عبر الموقع الإلكتروني لكل من شركتَي الخلوي، واللتين يمكن من خلالهما دفع ثمن الخدمات والفواتير الهاتفية وبطاقات التشريج، كانت تسلم «ألفا» و«تاتش» مستحقاتهما بشكل روتيني. وفق العقد، تحوّل الشركة الأموال المحصّلة إلى «ألفا» كل 15 يوماً وإلى «تاتش» شهرياً. حينها، لم يكن هناك فارق بين الدولار المحلي والدولار الخارجي، ولم تكن الشركات تهتم بمصدر الدفع أو مصدر التحويل. لذلك، كان الدفع يتم عبر تحويلات مصرفية داخلية تشمل كلّ طرق الدفع، من أيّ مكان وصلت.
بعد تشرين الأول 2019، تغيّر كل شيء. المصارف أغلقت أبوابها أسبوعين. ثم عمدت إلى تقييد عمليات السحب، بالتوازي مع ارتفاع سعر الدولار في السوق. أدّى ذلك لاحقاً إلى نشوء مصطلح «لولار» الذي يعني الدولار الموجود في المصارف، والذي تقلّ قيمته عن الدولار النقدي. حينها، كان يفترض فصل العمليات التي تتم من الخارج عن العمليات التي تتم من الداخل، ولكنْ لا «أريبا» أقدمت على ذلك ولا الشركتان طالبتا به. في البداية، كانت المشكلة عامة وتشمل كلّ الشركات المعنية بالتجارة أو الخدمات الإلكترونية، أضف إلى ذلك أن اتجاه الأمور لم يكن واضحاً، لكن مع الوقت صار الفارق شاسعاً بين قيمة الدولار النقدي والدولار المصرفي. وبعدما كانت الـ 100 دولار نقدياً تساوي 110 دولارات مصرفياً في بداية الأزمة، صارت اليوم تساوي 1000 دولار مصرفياً.
هذا التفاوت الهائل لم يؤدّ إلى تغيير نمط الدفع المعتمد من «أريبا». فبقيت لا تميّز بين ما تحصّله خارجياً وما تحصّله داخلياً، وواصلت تحويل الأموال إلى الشركتين عبر تحويلات مصرفية داخلية، ما يعني تحقيقها أرباحاً هائلة على حساب الخزينة اللبنانية. فكل مليون دولار تحصّله من الخارج لمصلحة الخزينة يساوي 8 أو 9 ملايين دولار مصرفياً، فيما هي تدفع المليون مليوناً! وإذا كان ثمة من يعتقد أن ذلك كان مفهوماً بين تشرين الأول 2019 ونيسان 2020، على اعتبار أن القوانين لا تميّز بين الدولارات المصرفية والنقدية، وأن السعر الفعلي للدولار كان لا يزال قريباً من السعر الرسمي، إلا أنه بعد إصدار تعميم مصرف لبنان الرقم 150، في نيسان 2020، صار الاستمرار في هذا السياق يطرح أكثر من علامة استفهام. هل ثمّة تواطؤ من الشركتين أم إهمال؟ وهل الشركة المعنيّة تعمّدت السير بهذه الخطوة تحقيقاً لأرباح غير مشروعة؟ فالتعميم ميّز رسمياً بين الدولارات المحوّلة من الخارج والدولارات الداخلية، وألزم المصارف فتح حسابات خاصة بها، وأكّد على حرية استعمالها من قبل صاحبها للاستفادة من الخدمات المصرفية كافة، بما في ذلك التحويل إلى الخارج والسحوبات النقدية وخدمات البطاقات المصرفية في لبنان والخارج.
«تاتش» تطالب بمليون دولار نقداً و«ألفا» بـ600 ألف دولار
مرّ أكثر من عام وتسعة أشهر على الأزمة، بما تعنيه من فارق بين الأموال النقدية العالقة في المصارف، وأكثر من عام على تعميم مصرف لبنان، من دون أن تغيّر «أريبا» من سلوكها، حتى إدارتا شركتَي الخلوي لم تتنبّها إلى ذلك، إلا منذ أشهر قليلة. حينها راسلتا «أريبا» وطرحتا المسألة معها، مطالبتين باستبدال الأموال التي حصلتا عليها عبر تحويلات داخلية بأموال «فريش». النقاش يدور حالياً حول الحقبة التي يشملها هذا الاستبدال. هل يعود إلى بداية الأزمة أم إلى نيسان 2020، تاريخ تعميم مصرف لبنان؟ لم تُحل المشكلة بعد، لكن بعدما طالبت كل شركة بجداول عن توزيع الدفوعات، تبيّن أن قيمة المبالغ المستحقة بالدولار النقدي، منذ بداية 2020 وحتى آذار 2021، تبلغ 1.5 مليون دولار في «تاتش»، وأقل قليلاً في «ألفا». التواصل مع «أريبا» في شأن هذه المبالغ لم ينته بعد، لكن ما حُسم أن الشركة صارت تدفع مستحقات الشركتين منذ آذار الماضي بالطريقة التي تُحصّلها فيها. فعلى سبيل المثال، حصلت «ألفا» بين منتصف آذار ونهاية حزيران الماضيين على 100 ألف دولار نقداً. وفيما سلّمت الشركة بأن المطالبة بالأموال المحصلة نقداً قبل نيسان 2020 ليست مجدية، على اعتبار أنه لم يكن يوجد سند قانوني لفصل الأموال الداخلية عن الخارجية، تبيّن لها أن الأموال الخارجية المستحقّة لها بعد هذا التاريخ تبلغ 650 ألف دولار. وعندما طالبت بهذه الأموال لم تتجاوب «أريبا»، متذرّعة بالعقد المُوقّع بينهما، وهو عقد لم يُميّز حكماً بين الأموال المحصّلة لأن المشكلة لم تكن مطروحة أصلاً. وبعد أن راسلت المديرية المالية في «ألفا» شركة الأموال مرتين من دون تجاوب، انتقل الملف إلى الدائرة القانونية، التي راسلت «أريبا» طالبة استبدال الأموال. وبحسب المعلومات، تواصل محامي «أريبا» مع الشركة ساعياً إلى إيجاد حل للمشكلة.
في المقابل، لا تزال «تاتش» تسعى إلى الحصول على الأموال بدءاً من بداية 2020. وأوضحت مصادرها أن اختيارها لهذا التوقيت، يعود إلى كون هذه الفترة تزامنت مع البدء ببيع الشيكات المصرفية بأقلّ من قيمتها. في المقابل، أوضحت مصادر مطّلعة على موقف «أريبا» أن الأخيرة تعتبر أن المشكلة تتحمّل مسؤوليتها المصارف، فهي التي قوننت دفع الدولارات النقدية وصولاً إلى توقيف السحوبات بشكل تام. ويؤكد المصدر أن المشكلة تتعلق بالوضع النقدي المستجدّ.
لكن إذا كانت الشركة تعمل بموجب ترخيص من مصرف لبنان وتلتزم بتعاميمه، فلماذا تمّ التغاضي عن دفع الأموال النقدية للشركات، بحسب ما ينص التعميم الرقم 150؟ يقول المصدر إن المشكلة الراهنة مرتبطة بفترة ما قبل نيسان 2020، ففي تلك الفترة حُجزت أموال الشركة كما حُجزت أموال غيرها، أما فترة ما بعد نيسان فلا يفترض أن تكون هناك أيّ مشكلة، إلا لناحية صعوبة تأمين الأموال النقدية، والحاجة إلى الوقت لتحصيلها. ذلك تنقضه حقيقة أن الشركة التي كان يفترض بها أن تلتزم مباشرة بالتعميم، تغاضت عنه بشكل واضح، رغم أنها تدرك أن استبدالها الأموال الـ«فريش» بتحويلات داخلية يشكل إثراءً غير مشروع ويُلحق الضرر بالشركتين اللتين لا تملكان أيّ مصدر للدولارات النقدية سوى ما يأتيهما من الخدمات التي تُدفع خارج لبنان.