انتهت موقعة تسلّم الدولة لقطاع الخلوي. كان يوم أمس مفصلياً للوصول إلى هذه النهاية. ماراتون حقيقي أجري بين شركة «زين» من جهة، وقضاء العجلة ووزارة الاتصالات وهيئة القضايا في وزارة العدل من جهة أخرى، أسفر عن خروج الشركة المشغّلة لـ«ميك2» من القطاع بقوة القانون ومن دون موافقتها
كانت الجمعية العمومية المعنيّة بالتسليم والتسلّم مقرّرة عند العاشرة صباحاً، لكن المساهمين استفاقوا على رسالة من مجلس إدارة «تاتش» يعلمهم فيها أن اجتماعاً عُقد عند الثامنة صباحاً، وتقرّر خلاله تأجيل الجمعية إلى موعد يُحدد لاحقاً، «بالاستناد إلى الظروف التي تحقق مصلحة الشركة». الاجتماع عُقد، بحسب المحضر، بحضور العضوين نديم خاطر (مثّل رئيس مجلس الإدارة بدر الخرافي أيضاً) ولارا الحداد، إضافة إلى المحامية كوليت حايك التي كُلفت بأعمال أمانة السر. مبرّرات التأجيل كانت ثلاثة: تعثّر عملية نقل الأجراء وإشكالات تتعلق بعقود بوالص التأمين، وإقدام المساهم وسيم منصور على طلب أمر على عريضة من قاضي الأمور المستعجلة في بيروت من أجل حذف بند المصادقة على الحسابات من جدول الأعمال وإلزام المساهم بنك عودة للخدمات الخاصة بعدم إعطاء براءة ذمة.
في المحصّلة كان جلياً أن التأجيل يعود إلى رفض «زين» تسليم القطاع من دون الحصول على براءة الذمة. وهي اعتبرت في رسالتها أن «مسألة المصادقة وبراءة الذمة هي محل اعتبار أساسي وحق قانوني مشروع».
إدارة الشركة كانت قد أيقنت أن قرار القضاء المستعجل سيصدر لمصلحة منصور، بما يلزمها تسليم القطاع من دون الحصول على براءة ذمة. فالمحامي نزار صاغية قدّم يوم الثلاثاء، بالوكالة عن منصور، استدعاءً طلب فيه اتخاذ قرار مؤقت وإحاطة بأمر على عريضة بشطب المصادقة على حسابات 2017 و2018 و2019 وحتى آخر أيلول 2020، من جدول أعمال الجمعية العمومية لشركة «ميك2» وإلا إلزام شركة بنك عودة للخدمات الخاصة بالامتناع عن الموافقة على إبراء الذمّة لكونها تؤدي بشكل جليّ إلى الإضرار بمصالح الشركة والمال العام. فالمدعي سبق أن تقدم، في 13 آب الماضي، بدعوى حراسة قضائية على الشركة بفعل الفراغ الحاصل في الإدارة والمخالفات المتكرّرة فيها، كما بشكوى جزائية ضد رئيس مجلس إدارة الشركة بدر الخرافي والمدير العام إمري غوركان والوزيرين السابقين محمد شقير وجمال الجراح بموضوع عقدَي الإيجار والبيع لمبنى «تاتش»، وما تضمناه من صفقة أدت إلى ضياع وهدر ما يزيد عن خمسين مليون دولار من عائدات الشركة.
تولّت القاضية كارلا شواح الملف، ويوم الأربعاء طلبت من المدعى عليها تقديم لائحة جوابية. فدعت إدارة «ميك٢» إلى ردّ الاستدعاء لعدم صحّته وعدم قانونيته وعدم استناده إلى أسباب واقعية، معتبرة أن عقدَي الإيجار والشراء لمبنى تاتش قد تمّا بقرار من وزارة الاتصالات.
ولأن الدولة هي مالكة القطاع ومعنية بالدعوى، فقد تقدّمت هيئة القضايا في وزارة العدل، صباح أمس، بلائحة جوابية، في موضوع الحراسة القضائية على الشركة، أكدت فيها على ضرورة انعقاد الجلسة لأجل إتمام عملية التسليم والتسلّم بين الشركة والدولة، وتحفّظت على بند إعطاء براءة الذمة، طالبة شطبه من جدول الأعمال كونه «يخفي مصالحة لا يجوز إجراؤها دون العودة إليها وفقاً لما تفرضه المادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل». كما أكدت ، أنه لا يجوز التذرّع برفض إعطاء براءة الذمة لعدم إجراء التسليم والتسلّم». ولم تقف هيئة القضايا عند هذا الحد بل طلبت تعيين مراقب مالي للإشراف على الجلسة والقيام بتدقيق مالي وتدقيق جنائي في حسابات الشركة.
قضاء العجلة يقرّ تسلّم «تاتش» من دون إبراء ذمة «زين»
ولمّا كانت هيئة القضايا تمثل مصالح الدولة، التي تملك أكثر من 99 في المئة من أسهم الشركة، فهذا يعني أن أغلب المساهمين اجتمعوا على عدم إعطاء براءة الذمة للشركة. وبناءً على المعطيات التي تضمّنتها الدعوى، أصدرت القاضية شواح قراراً بإلزام «ميك 2»، «سحب البند 3 المتعلق بإبراء ذمة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة وبعدم إدراج هذا البند في أي جدول أعمال لاحق قبل البتّ بالدعوى الجزائية المقدّمة من منصور بشأن مبنى تاتش».
وبخلاف، ما ادّعته الشركة في سعيها إلى تأجيل الجمعية العمومية، أكدت شواح أن العقد لا يشترط إعطاء براءة ذمة للشركة لتسليم القطاع إلى الدولة. وفيما تعتبر مصادر معنية أنه كان بالإمكان إعطاء مخالصة مالية لأعضاء مجلس الإدارة، دوناً عن براءة الذمة للشركة، خاصة أن المادة ٦ من العقد الموقّع بين الشركة والدولة لا تربط بين إعطاء مخالصة سنوية لأعضاء مجلس الإدارة وبين إبراء ذمة الشركة أشارت مصادر قانونية إلى أنه «طالما توجد دعوى جزائية، فلم يعد بالإمكان إجراء مخالصة أو إبراء ذمة لكل من يمثّل الشركة».
بالمحصّلة، وبالرغم من قرار مجلس إدارة «ميك2» تأجيل انعقاد الجمعية العامة، وبالرغم من أن القرار لم يكن أُبلغ للشركة قبيل بدء الاجتماع، إلا أن جميع المعنيين كانوا قد صاروا على علم بمضمونه، ولا سيما وزير الاتصالات طلال حواط، الذي انتقل إلى مركز الشركة. وأصرّ على عقد الجمعية العمومية، متسلّحاً برأي حاسم من هيئة القضايا في وزارة العدل، وبقرار نافذ لقضاء العجلة. وبناءً عليه، حضر بنك عودة إضافة إلى المساهمين شربل قرداحي وعلي أيوب (عضوا مجلس الإدارة)، فأُقرّ التسليم والتسلّم، ثم تمّ تعيين مجلس الإدارة الجديد، الذي سبق أن أعلن حوّاط عنه في حزيران الماضي، والمؤلف من حياة يوسف رئيسة مجلس الإدارة، شربل قرداحي، ماجد عبد الجواد، علي ياسين وجواد نكد. بعد ذلك، عقد مجلس الإدارة الجديد أول اجتماع له بحضور وزير الاتصالات. ومساء عمّمت الموارد البشرية في الشركة رسالة على الموظفين، أبلغتهم فيها انتهاء إجراءات التسليم والتسلّم، مؤكدة على استمرار آلية نقل الموظفين بالشروط التعاقدية نفسها، والتي أعاد وزير الاتصالات ومجلس الإدارة الجديد التأكيد عليها. كما أبلغتهم أن رواتب شهر تشرين الأول، إضافة إلى bonus ستُدفع الأسبوع المقبل.
«وعي»: لنقض براءة الذمّة الممنوحة لأوراسكوم
:احتفلت مجموعة «وعي»، التي تابعت ملف الخلوي منذ بداياته بتحركات واحتجاجات على الأرض، أمس، بثلاثة انتصارات: القضاء اللبناني انتصر للرأي العام وللمال العام وللمصلحة العامة بقرار نوعي لقضاء العجلة، استرداد إدارة «ميك 2» من قبل الدولة ومنع منح براءة الذمة لشركة «زين».
وجاء في بيان للمجموعة أنها تحركت اليوم (أمس) للضغط على الجمعية العمومية لشركة «ميك 2» كي تسلّم إدارة الشركة إلى الدولة بعد طول مماطلة، ولمنع منح براءة ذمة لشركة زين. وأشارت إلى أنها فوجئت بقرار تأجيل انعقاد الجمعية الذي «هدفت شركة زين من ورائه إلى ابتزاز الدولة، إذ كانت قد اشترطت منحها براءة ذمة مقابل تسليمها الإدارة». واعتبرت المجموعة أنه كان من المستحيل منح الشركة براءة الذمة قبل إجراء مخالصة وكشف حسابات وتدقيق، وخصوصاً في ظل وجود دعاوى ضدها أمام القضاء، بتهم عديدة؛ أهمها: الهدر والاختلاس وتبييض الأموال. وأعلنت استمرارها في التحرك والضغط لمنع إعطاء براءة ذمة في ظل وجود دعوى جزائية وعدم إتمام المخالصات وفق الأصول. كما أشارت إلى متابعة ملف انتخاب مجلس الإدارة الجديد برئاسة حياة يوسف.
وهنأت المجموعة اللبنانيين بالقرار القضائي الجريء لقضاء العجلة والذي اتخذته القاضية كارلا شواح ومنعت بموجبه أي نقاش حول منح براءة ذمة لشركة زين. كما دعت القضاء إلى نقض براءة الذمة التي سبق أن منحتها الدولة لشركة أوراسكوم، خلافاً للأصول وتفريطاً بالمال العام.