اعتراضات على دفتر الشروط.. وصراع بين «الإقصاء» و«التطوير»
مناقصة الخلوي نحو تأجيل جديد؟
منذ نالت الحكومة الحالية ثقة مجلس النواب في 20 آذار 2014 وملف إدارة قطاع الخلوي لا يزال مفتوحاً. حينها اضطر وزير الاتصالات بطرس حرب إلى تمديد عقدَي إدارة القطاع للشركتين المشغلتين، نظراً لضيق الوقت (كان عقدا تشغيل «تاتش» و «ألفا» سينتهيان في 30 آذار من العام نفسه).
مر التمديد تلو الآخر، وصولاً إلى جلسة 29 نيسان الماضي، حيث أقر مجلس الوزراء تمديداً جديداً لعقود الإدارة حدد في 31 كانون الأول 2015، مقترناً بالاتفاق على أن تجري المناقصة خلال ستة أشهر. كما وافق مجلس الوزراء حينها على الخطوط العريضة لدفتر الشروط، الذي كان قد خضع للكثير من المناقشات داخل اللجنة المصغرة التي ترأسها الرئيس تمام سلام وشارك في عضويتها الوزراء بطرس حرب ومحمد فنيش وجبران باسيل. وعليه، تم الاتفاق على أن يعلن وزير الاتصالات المناقصة في 15 حزيران (تم تأجيلها إلى يوم غد)، علماً أن حرب عاد وأرسل رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء يعلمه فيها أنه سيطلق المناقصة على أساس الشروط التي اتفق عليها، ومرفقاً رسالته بتلك الشروط. هذه الشروط خضعت للكثير من النقاشات في جلسات مطولة عقدتها اللجنة، خاصة ما يتعلق بخبرة الشركات التي يفترض أن تتقدم للمناقصة.
في خلفية النقاش، بدا أن الصراع يدور حول السماح للشركتين الحاليتين بالدخول بالمناقصة أم لا. باسيل يسعى جاهداً لضمان دخول الشركتين في المناقصة، تحت عنوان ضرورة عدم إقصاء أحد، فيما يتهمه خصومه بالسعي إلى تثبيت مصالح «التيار الوطني» بغض النظر عن مصلحة القطاع. وفي المقابل، يسعى وزير الاتصالات إلى قطع الطريق أمام النفوذ العوني، من خلال الوصول إلى دفتر شروط يقصي الشركتين الحاليتين، أو على الأقل شركة «أوراسكوم» المشغلة لـ «ألفا»، كما يتهمه خصومه.
تحت هذا العنوان للخلاف، سعى باسيل وفنيش إلى تعديل البند الذي وضعه حرب في مسودة دفتر الشروط والمتعلق بشرط أن تكون الشركة المتقدمة للمناقصة قد أدارت أو تملكت شبكات تضم 15 مليون مشترك، مطالبين بالاكتفاء بـ «10 ملايين مشترك على الأقل»، خلال خمس سنوات.
خصخصة أم مستقبل أفضل؟
بالفعل، تم قبل جلسة 29 نيسان الاتفاق على هذه النقطة، مع التأكيد على أن تقترن بخمس سنوات خبرة، بعد أن كان الاقتراح 10 سنوات، انطلاقاً من أن شرط الخبرة هو المطلوب وليس المبالغة في إقصاء عدد كبير من الشركات وحصر المشاركة بشركات محدودة.
كان التخوف الذي عبّر عنه فنيش صراحة يتعلق بـ «العقلية التي يُطرح فيها دفتر الشروط وتظهر أن الفريق السياسي للوزير حرب يتصرف على قاعدة أن المناقصة هي تمهيد لخصخصة القطاع، وأن الشركات التي ستتولى إدارة القطاع بعد المناقصة ستكون الأوفر حظاً في امتلاك القطاع في حال اتخاذ قرار بالخصخصة».
لكن مصادر الوزارة، ترفض الدخول في لعبة أسماء الشركات، معتبرة أن الغاية من وراء المناقصة هي تطوير القطاع. وتضيف: السؤال المطروح هو هل المطلوب إدارة الوضع الحالي للقطاع أم نقله إلى المستقبل؟ لتؤكد أن الوصول إلى قطاع حديث يراعي كل التطورات التقنية العالمية، يتطلب أن تكون الشركة المتقدمة لها باع طويل في القطاع، وقادرة على نقل خبرتها إلى لبنان، وصولاً إلى التأسيس لقطاع يعمل وفق أفضل المعايير العالمية. ويقول المصدر إنه انطلاقاً من هذا الهدف يتم تحديد الشركة التي تدخل المناقصة، لا انطلاقاً من النية في إقصاء هذه الشركة أو تلك.
خلافاً للاتفاق
عند هذا الحد، كان يفترض أن يكون الجميع قد خرج راضياً، لكن بعد أن أنجزت وزارة الاتصالات دفتر الشروط، ووزعته على الوزراء، تبين للبعض أنها لم تلتزم بصيغة الاتفاق الذي أبرم. إذ فوجئت مصادر معنية بالمناقصة بتضمين دفتر الشروط بنداً يفرض على المشغل، ليحق له المشاركة في المناقصة، أن يكون قد قدم الخدمة إلى ما لا يقل عن 10 ملايين مشترك، خلال السنوات الخمس الأخيرة، بالإضافة إلى وجوب أن لا يقل العدد عن 3 ملايين على شبكة واحدة. هذا النص يتضمن لغماً، بحسب مطلعين على الاتفاق الذي تم، يحصر المنافسة بالشركات «التي كانت ولا تزال منذ خمس سنوات على الأقل، تملك أو تدير شبكات فيها 10 ملايين مشترك أو أكثر..»، وهو ما اعتبر مخالفاً للاتفاق الذي اكتفى بالإشارة إلى خمس سنوات خبرة، انطلاقاً من أن شرط الخبرة ليس مرتبطاً بالتشغيل في السنوات الأخيرة حصراً.
تلك الإشكالية ليست وحيدة، إذ ثمة اعتراض آخر يتعلق ببند عدم السماح لتحالف شركات بالدخول في المناقصة، واقتصار الحق على الشركات المستقلة، بما يلغي إمكانية دخول تحالف مجموعة من الشركات على خط المنافسة. علماً أن الوزارة وضعت هذا الشرط انطلاقاً من أن عدداً من التجارب أثبت أن تحالفاً بين شركات ممولة وشركات إدارة، غالباً ما ينتهي إلى تسلم الإدارة من الشركات الممولة، أي التي لا تمتلك الخبرة. أما اعتراض «حزب الله» المتعلق برفض دخول شركات مملوكة من دول، خوفاً من تسرب «داتا» اللبنانيين إلى تلك الدول، فقد تمت معالجته، من خلال حماية هذه الداتا بقيود صارمة في عقد الإدارة، مع الإبقاء على السماح لتلك الشركات بالمشاركة.
باسيل وفنيش يعترضان
وقبيل إطلاق المناقصة رسمياً يوم غد، يلتقي رئيس الحكومة الوزيرين باسيل وفنيش، حيث علم أنهما سيناقشان معه الملاحظات التي سبق أن عرضاها ولم يلتزم بها الوزير حرب.
وبغض النظر عن نتيجة ذلك الاجتماع، فإن وزارة الاتصالات صارت جاهزة لإطلاق المناقصة وإعلان دفتر الشروط في وسائل الإعلام، حيث يمكن للشركات المهتمة بعقد إدارة إحدى شركتي الخلوي تقديم مستنداتها، التي تؤكد مطابقتها لدفتر الشروط، على أن تدرسها الوزارة ثم توافق أو ترفض الطلب. بعد ذلك، سيحق للشركات التي قُبل ملفها أن تطلع على داتا الشركتين الحاليتين، بين الأول من تموز والرابع عشر من آب، حيث يفترض أن تقدم كل منها ملفها النهائي خلال أيلول.
أُقرت المناقصة.. لم تُقر
تلك الآلية التقنية ليست مضمونة المسير. كل شيء متوقف على الطريق الذي يسلكه الاشتباك السياسي، هل سيحل اليوم أم لا؟ علماً ان الخلاف لا يتعلق بمضمون دفتر الشروط وحسب، إنما يتعلق بالخلاف حول ضرورة عودة حرب بدفتر الشروط إلى مجلس الوزراء لإقراره من عدمه. بالنسبة لوزارة الاتصالات، قرار مجلس الوزراء واضح وهو ينص على «الموافقة على دفتر شروط المناقصة العالمية لادارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخلوي»، على أن تتولى الوزارة إطلاق المناقصة بناءً لما تم الاتفاق عليه. لكن في المقابل، يؤكد الوزير محمد فنيش أن النص النهائي لا بد أن يمر على مجلس الوزراء لإقراره، قبل الشروع بالمناقصة. أما حرب فكان أبدى انزعاجه مراراً من تدخل مجلس الوزراء في التفاصيل التقنية، سائلاً «إن كان المجلس هو مجلس خبراء».
بالرغم من إصرار حرب على السير بالمناقصة، متسلحاً بقرار مجلس الوزراء، إلا أن ثمة من يخشى أنه إذا لم يتم احتواء الخلاف اليوم، ومع ترجيح عدم حل مسألة انعقاد مجلس الوزراء قريباً، فإنه يتوقع أن يكون التأجيل من نصيب مناقصة الخلوي لمرة جديدة. علماً أن هذه المرة لن يكون هنالك إشكالية تتعلق بالتمديد مجدداً للشركتين المشغلتين، بعدما مدد لهما حتى نهاية العام.