«الليلرة» طالت أمس خطوط الخلوي. إذ سيتم تحويل الدولارات الموجودة في الهواتف إلى الليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي تمهيداً لإقرار مرسوم رفع التعرفة واقتطاع 70% من قيمة هذه الدولارات (هيركات) بعد الانتخابات النيابية تفادياً لنشوب «ثورة» أخرى. ورغم أن الإجراء يستهدف محتكري البطاقات المسبقة الدفع، إلا أن الخسارة ستلحق بالمواطنين الذين حاولوا حماية مداخيلهم الضئيلة
«عزيزي المشترك، الرجاء ملاحظة أن رصيد خطك سيظهر بالليرة اللبنانية ابتداء من 4 آذار 2022». هذه الرسالة تلقاها أمس كل حاملي خطوط «ألفا» و«تاتش» المسبقة الدفع، لإبلاغهم بأن الرصيد المسجّل لديهم بالدولار ستتم «ليلرَته» غداً. يعني ذلك أن من كان يملك، مثلاً، 10 دولارات سيستيقظ ليجد 15 ألف ليرة بدلاً منها بعد احتساب الرصيد على أساس سعر الدولار الرسمي (1500 ليرة). لكن كيف سيُحتسب سعر الدقيقة التي تبلغ قيمتها اليوم 25 سنتاً؟ ستعمد الشركتان إلى احتسابها وفق معادلة السعر الرسمي أي 375 ليرة لبنانية. الأمر نفسه ينسحب على سعر الرسالة النصية، فيما تبقى رزمات الإنترنت على حالها، إلى حين إقرار رفع سعر تعرفة الاتصالات. عندها سيخضع الرصيد لـ«هيركات» ويفقد قيمته الحالية عبر اعتماد معادلة حسابية أخرى وسعر صرف مختلف.
ما جرى أمس هو مقدمة لإقرار مرسوم رفع التعرفة في مجلس الوزراء بعد انتهاء وزارة الاتصالات من إعداده بالاتفاق مع شركتَي الاتصالات. وخلافاً لكل ما يشاع عن تأجيل إقرار المرسوم إلى ما بعد الانتخابات، تؤكّد المصادر أن «رفع التعرفة سيصدر قبل هذا الاستحقاق للاستفادة من مجلس الوزراء الفاعل لأن القطاع لا يملك ترف عدم إقرار المرسوم وتأجيله، ودخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال».
غير أن وزير الاتصالات جوني قرم لا يربط بين الرسالة النصية التي وصلت أمس وبين اقتطاع أي قيمة من الرصيد، بل هو «إجراء يستهدف محتكري البطاقة المدفوعة سلفاً وغالبيتهم من التجار» على ما يقول لـ«الأخبار». إذ تشير إحصاءات «ألفا» و«تاتش» إلى وجود 200 مشترك في كل شركة، يخزّن الواحد منهم في هاتفه أكثر من 200 ألف دولار، في حين أن قيمة كل البطاقات المتداولة في السوق تبلغ 450 مليون دولار. لذا انكبّت الوزارة على إعداد اقتراحات لحلّ ما اعتبرته «مشكلة» وخصوصاً إذا جرى رفع التعرفة «لأنه سيتسبب بخسارة مالية كبيرة للقطاع».
في البدء، درست الوزارة احتمال تقصير تاريخ صلاحية هذه البطاقات لإجبار مالكيها على صرفها أو بيعها، إلا أنها تراجعت عن هذا الخيار «بعد تبلّغنا عبر استشارة قضائية أن تدبيراً كهذا مخالف للقانون، وأن أي حسم على القيمة المدفوع ثمنها مسبقاً يُعدّ مخالفة أيضاً». هكذا أصبح الحلّ الأنسب والأكثر مراعاة للقانون «تحويل هذه الدولارات إلى ليرة لبنانية بحسب السعر الرسمي». وبالتالي أرسلت الشركتان لمشتركيهما الرسالة النصية لإبلاغهم بأن «ما دفعوا ثمنه باللبناني سيحصلون عليه بالعملة نفسها التي دفعوا بها ولن يتم احتسابه دولاراً».
عملياً، من يملك 200 ألف دولار في رصيده الآن، سيجد مبلغاً يناهز 300 مليون ليرة لبنانية على هاتفه يوم غد! ويمكنه حتى تاريخ تنفيذ قرار رفع التعرفة، لا إقرار المرسوم فقط، أن يستفيد كما في السابق من هذه القيمة سواء عبر استهلاكها أو بيعها الى الآخرين، مع المحافظة على العدد نفسه من الوحدات. لكنه سيتعرض لخسارة كبيرة في مرحلة ما بعد تغيير التعرفة، لأن ثمن الدقيقة سيتغيّر. ووفقاً لمسودة المرسوم الأولية والتي ما زالت قيد المناقشة، فإن الأموال المخزنة في الهاتف ستفقد أكثر من ثلثي قيمتها. بمعنى أوضح، إن بطاقة الثمانية والأربعين ألفاً التي كانت تساوي 33 دولاراً، ستتحول إلى نحو دولارين.
جزء من الهلع والاحتكار تسبّب به الوزير عبر حديثه المتكرر عن رفع التعرفة ما أدى إلى تهافت على التخزين
وسيكون الأسبوع المقبل حاسماً لجهة وضع اللمسات الأخيرة على المرسوم تمهيداً لإعادة عرضه في مجلس الوزراء وسط موافقة الغالبية على هذا الإجراء شرط أن يُنفذ في فترة ما بعد الانتخابات لاحتواء ردةّ فعل الرأي العام، علماً بأن هذه المعادلة أدّت إلى «ذهاب الصالح بعزا الطالح»، وأن الخاسر الأكبر هو المواطن العادي الذي تصرّف بشكل طبيعي بشراء بطاقات وتخزينها في هاتفه خشية ارتفاع الأسعار. ويقول أحد المسؤولين في إحدى شركتَي الاتصالات إن المواطن «عمد إلى شراء هذه البطاقات المسعّرة على سعر 1500 ليرة للدولار، بقرار من وزير الاتصالات السابق محمد شقير. وبالتالي لا يتحمل أي مسؤولية ولا ذنب له لمعاقبته والمساواة بينه وبين المحتكرين، طالما أنه اشترى الخدمة ولم يسرقها أو يحصل عليها بطريقة ملتبسة».
ويشير المصدر إلى أن جزءاً من «الهلع» و«الاحتكار» تسبّب به الوزير نفسه «عبر ظهوره الإعلامي بشكل متكرّر وحديثه عن رفع التعرفة، ما ساهم في خلق جو من عدم الاستقرار كانت نتيجته المزيد من التخزين». أما عن المسؤولية التي تتحمّلها الشركتان نظراً إلى إغراقهما السوق بالبطاقات رغم معرفتهما بما يحصل وعدم مبادرتهما إلى تقصير تاريخ الصلاحية الذي يقارب السنتين، فتجيب المصادر بأن «تخفيف الستوك من السوق أدّى إلى رفع التجار أسعار البطاقات بشكل عشوائي، وأخيراً جرى تقصير تاريخ الصلاحية». المصادر نفسها تؤكد أن «أي زيادة لن تطبق قبل الصيف، ما يعطي المواطنين فرصة لصرف القيم الموجودة في هواتفهم خلال 5 أشهر». لكن النتيجة الفعلية هي أن سوء إدارة هذا الملف سيدفع ثمنه المواطن فقط تحت شعار «منع انهيار الشبكة»، والأنكى أن لا إشارات حتى اليوم بأن رفع التعرفة سيقابله خدمات وعروض تعوّض هذه الخسارة.