IMLebanon

نظام مقبري ومقاومة حلبية «عمليّاتية»

قبل عام بالتمام ارتفع التوقع بقرب سقوط النظام البعثي الأسدي حتى تقاسمه بعض من عملاء هذا النظام الذين أخذوا يستغيثون ويشتكون من أن دعم الحلفاء لهم غير كاف للصمود والبقاء. انقلبت الحال مع التدخل الجوي الروسي المكثف، الذي لم يخف قصده اطالة عمر النظام لأطول فترة ممكنة، وأراد في نفس الوقت الجمع بين قصد اطالة عمر النظام وبين عدم اطالة عمر التدخل الجوي نفسه، والسعي لبقائه جوياً بالأساس، ومرتبطاً بباقي الأجندات الروسية، وغير متوهم امكان احياء هذا النظام كنظام حكم لكل سوريا في أي يوم من الأيام الآتية، فهذه النقطة تبقى خلافية بامتياز بين روسيا وبين ايران والنظام. 

استطاع التدخل الجوي الروسي أن ينقذ النظام ولا يزال يسند هذا النظام، في وقت ازداد فيه الطابع الاحتلالي لميليشيات الحرس الثوري، ومن بينها «حزب الله»، وصولاً الى تصادمات ميدانية «جانبية» مع كتائب الأسد في بعض الأحيان، هذا في حين صار بشار الأسد بحد ذاته تحت وصاية «الباسدران» الأمنية المباشرة، وأشبه ببنيتو موسوليني عندما حكّمه النازيون شمال ايطاليا، او ما عرف بـ»جمهورية سالو»، بعد نجاحهم في تحريره من اعتقال المنقلبين عليه. في الشمال الايطالي، تحوّل موسوليني من زعيم كان ينادد الألمان في يوم من الأيام الى صورة يحرّكوها كما أرادوا. التدخل الروسي جعل التدخل الايراني في سوريا أقل تصدراً للمشهد، كما ان التدخل الروسي هو الذي انقذ النظام من السقوط قبل سنة، غير ان التدخل الايراني هو الذي يستفحل اكثر سنة بعد سنة في سوريا، ويحكم وصايته على بشار الأسد بشكل مطلق واستتباعي له، وهو المرتبط عضوياً اكثر بحركة اعادة رسم المعطيات الديموغرافية في الواقع السوري. 

ما ان اعلن الجانب الروسي انهاء تدخله الجوي مطلع هذا العام، حتى ظهر مجدداً ضعف النظام بازاء الفصائل المختلفة التي يتحارب معها، وكان هذا من جملة الاسباب التي دفعت موسكو سريعاً لتقنين الانسحاب المعلن عنه، ثم رفع درجة تدخلها الجوي مجدداً، بعد ان انخفضت مجدداً مؤشرات التسوية، فضلاً عن واقع الهدنة الذي تقلّص بسرعة. 

في حلب ظهر شيء أساسي: كل اندفاعة للنظام وحلفائه وعملائه نحو «الحسم» ستبوء بالفشل، رغم كل الدعم الروسي والايراني. يمكن للدعم الخارجي ان يبقي النظام في حالته هذه، كنظام مقبري، كنظام احتضار دموي، قائماً لسنة وسنتين وعشر، لكنه لا يمكن ان ينقذ هذا النظام يوم حسم واحد في معركة مركزية.

الاداء الميداني المشترك بين فصائل مسلحة مختلفة سطّر نتائج ممتازة للمقاومة الحلبية ضد النظام، ويؤسس عليه مزيداً من التعاضد الكفاحي في ما بينها، خصوصاً وانها حين ترفع من مستوى التفاعل في ما بينها، فانها تفلت اذاك من منطق «استنزاف في مقابل استنزاف»، وتتجه نحو منطق «عملياتي»، بمعنى تشكل المعركة من مجموعة عمليات تنطلق من اماكن مختلفة، ولها بنوك اهداف وغايات عسكرية ميدانية مختلفة، انما تؤطر في عملية عسكرية واحدة. تطور الفعل العسكري للمقاومة الحلبية والسورية الى المنطق «العملياتي» في القتال من شأنه ان يفرض واقعاً جديداً ومهماً، يتجاوز السائد حتى الآن في الايديولوجيا القتالية ذات السمة الاسلامية التي تؤثر اما «ثنائية الكر والفر» واما «استنزاف مقابل استنزاف» واما ذهنية «الموقعة» أو «الغزوة»، واما ذهنية «الصمود البطولي في زاوية ما» حتى حصول ضغط يعرقل هجوم العدو. المنطق «العملياتي» اكثر تعقيداً وتطوراً، وهو النقلة الحلبية النوعية. المفارقة ان المدرسة العسكرية السوفياتية هي التي الفت كثيراً في المنطق «العملياتي» في الحروب، في حين ان الفصائل السورية ذات السمة الاسلامية بل السلفية الجهادية بالنسبة خصوصاً للمقاتلين في حلب هي التي تطورت باتجاه هذا المنطق. 

المعركة في حلب لم تنته، لكن ما يجب ان يكون قد انتهى في العقول هو وهم «الحسم» في رأس النظام السوري وايران و»حزب الله«. 

في العام الماضي كان التوقع بقرب سقوط النظام في ذروته ثم تبدل الامر. الامور اكثر التباساً اليوم، لا يمكن التكهن الى متى سيبقى النظام، لكن يمكن التكهن بأنه طالما هو باق فهو باق على حالته الراهنة، كنظام مقبري تابع لحلفائه، ولا سيما للايرانيين الذين يحتلون اقساماً من الارض السورية.