Site icon IMLebanon

“المركزي” اشترى الوقت للدولة بـ48 مليار دولار

 

من 2016 حتى 2019 سنوات عجاف ترافقت مع الهدر والفساد

 

تُعتبر الهندسات المالية التي انطلقت في النصف الثاني من العام 2016 ولم تنطفئ إلا مع اندلاع ثورة تشرين، منطلقاً لفهم الازمة النقدية، وما لحقها من أزمات إقتصادية، إجتماعية وسياسية. هذه الفترة الزمنية القصيرة التي عُمل فيها بوتيرة جنونية على استقطاب العملات الاجنبية، وإصدار ومبادلة الاوراق المالية ورفع الفوائد… قد تعادل دهراً من الزمن في الحالات الطبيعية.

 

الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع انطلاق الحرب السورية في العام 2011، وتمثلت في عجز ميزان المدفوعات، وصلت الى قمتها في منتصف العام 2016، بعد سنتين من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية. وفي ظل تراجع التدفقات الرأسمالية وغياب أي مبادرات سياسية أو إقتصادية، بث “المركزي” جرعة اوكسجين نقدية محدودة، تكفي لحين بلورة الحل السياسي والبدء بالاصلاحات الموعودة. فكانت الباكورة باطلاقه في نهاية أيار العام 2016 سواب SWAP مع وزارة المال بقيمة 2 مليار دولار، أمّنها بشكل أساسي من المصارف. الامر الذي أدى حينها إلى إطالة أمد الاستحقاقات السيادية وخفض تكاليف خدمة الدين العام.

 

الدّيْن يجرّ الدّيْن

 

هذه العمليات لم تتوقف بعد انتخاب رئيس للجمهورية في نهاية العام 2016، بل استمرت بوتيرة تصاعدية حتى بلغ “إجمالي توظيفات المصارف التجارية في مصرف لبنان خلال الاعوام 2016 -2019 حوالى 48 مليار دولار. دفعتها المصارف من أموال المودعين وتدفقات أموال جديدة من المغتربين والمستثمرين”، بحسب التقرير التفصيلي الصادر عن بنك أوف أميركا تحت عنوان Lebanon – untangling financial engineering operations. وبالرغم من ضخامة الايداعات، إلا ان احتياطي المصرف المركزي من العملات الاجنبية قد انخفض بمقدار 2.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها.

 

الهندسات المالية التي استمرت لغاية تشرين الاول من العام 2019 أدت إلى زيادة تآكل الميزانية العمومية لمصرف لبنان. وبحسب التقرير “فقد بلغت الكلفة التراكمية لعمليات الهندسة المالية على مصرف لبنان في الفترة الممتدة بين 2016 و2019 حوالى 6.6 مليارات دولار أميركي، أي ما يوازي 13.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019.

 

كلفة شراء الوقت الباهظة

 

الهدف من هذه العمليات بحسب “التقرير” كان “كسب الوقت على خلفية تباطؤ نمو الودائع وعدم اليقين. إلا ان الأمر انتهى بهذه السياسات بأن تصبح بديلاً عن الإصلاح”.

 

المستثمر في الاسواق الناشئة صائب الزين يوافق التقرير على ان “المصرف المركزي عمد إلى شراء الوقت، من خلال الهندسات المالية بانتظار انفراج الاوضاع الداخلية. إلا ان النتيجة كانت إراحة السياسيين وزيادة العجز في الموازنة واستفحال الهدر والفساد”.

 

إذا كانت العودة بالتاريخ مستحيلة، فان افتراض عدم مجاراة “المركزي” للسياسيين منذ العام 2016 من خلال تأمينه بدائل الاصلاح من اموال المودعين، كان سيؤدي الى انهيار العملة وقتذاك. وهذا ما يدفعنا إلى مقارنة الكلفة على الاقتصاد والمواطنين نتيجة تأجيل الانهيار، والتساؤل ان كانت الحكومات قد استمرت بالانفاق من دون وعي وبالوتيرة نفسها، مرتكزة على سعر صرف ثابت عند 1500 ليرة وتمويل دائم من المركزي”؟

 

الجواب “أكيد لا”، يقول الزين، “فلو انخفضت قيمة العملة في وقت سابق، لكانت الضغوط على السياسيين قد زادت بشكل كبير. ولكانوا أُجبروا على الاصلاح على وقع الاحتجاجات الشعبية والضغوط المعيشية والاجتماعية حينها.

 

وحتى لو سلمنا جدلاً بعدم قدرتهم على الاصلاح تحت أي ظرف كان، فان كلفة الاصلاح قبل سنوات لجهة عجز الموازنة والدين العام وخسائر “المركزي” والمصارف التجارية، كانت لتكون أقل بكثير ومعالجتها أسهل. فالمصارف لم تكن قد خسرت سيولتها بعد. وصانعو السياسات لن يستطيعوا الاستمرار في وضع أيديهم في مياه تثبيت سعر الصرف الباردة. بل كان هذا الانخفاض ليكون الجرس المنذر بضرورة تغيير السياسة المتبعة والانتقال الى الاصلاحات الجوهرية”.

 

اليوم وبحسب تقرير B OF A GLOBAL RESEARCH فان استرداد الاموال من عائدات الهندسة المالية لإنقاذ الودائع، اصبح أمراً غير مؤكد أو معقد أو غير ممكن. “فجزء بسيط من توزيع الارباح الناتجة عن الهندسات والمقدرة بحدود 3.2 مليارات دولار، يمكن استردادها من اصحاب المصارف أما البقية فقد ذهب الى المساهمين.

 

كما ان عائدات الهندسات المالية تضمنت استخدامات زيادة رأس مال القطاع المصرفي وعائدات الضرائب الحكومية غير المباشرة، والتي لا يمكن استردادها. أما بخصوص إسترداد عائدات الفوائد الزائدة المدفوعة للمودعين والتي تم توليدها من خلال الهندسات منذ العام 2016، فقد قدّرها التقرير بحوالى 3 مليارات دولار. ومع ذلك، من غير الواضح مقدار هذه الودائع المحتفظ بها. علاوة على ذلك، ربما تكون هذه الودائع قد تمّ تضمينها بالفعل في هدف الحكومة للإنقاذ وبالتالي لا تحقق أي مدخرات.

 

الخلاصة ان شراء “المركزي” للوقت عبر الادوات المالية شكل متنفساً للسلطة. وبدلاً من ان تستغله في الاصلاح وظفته في استمرار الهدر والفساد وتغييب الاصلاحات. فكانت مليارات “المركزي” كمن يرمي الدواء على التراب… لا المريض شفي وقيمته ذهبت سدى.