أُعجبتُ بخطة حكومة الاختصاصيين الاقتصادية، كما أعجبت بالحلول المطروحة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، كما زادت درجة إعجابي بما تدعيه الحكومة بأنّ وزراءها كلهم، هم من أصحاب الاختصاص، ما يعني بكل وضوح ومن دون عناء تفسير وتعمّق، انّ الخطة الاقتصادية جاءت من خلال معلومات دقيقة، وقرارات متخصصة ومدروسة، أشبعها السادة الوزراء بحثاً مُعَمّقاً مع تبصّر وطول أناة.
لن أدخل في تفاصيل الخطة ودهاليزها بالكامل، لكن لا بدّ لي من التوقف عند بعض البنود الواردة في الخطة والتي أرى فيها مدخلاً مفيداً يضيء أمام القارئ ما أردت توضيحه.
أولاً: تدّعي الحكومة أنها غير مسؤولة عن الهدر وعن الديون التي وصلت الى أرقام خياليّة، وحمّلت الحكومات التي سبقتها تبعة ومسؤولية الهدر والديون.
نقول للحكومة: هذا صحيح، ولكن من الذي سيحاسب الحكومات السابقة ومن هي الجهة القادرة على المحاسبة وكيف؟
ثانياً: خلال الاجتماعات مع صندوق النقد الدولي، وبوجود وفد من مصرف لبنان… طرحت الحكومة خطتها، المتضمنة مشكلة الديون، وحملت البنك المركزي المسؤولية وما ترتّب على ذلك من خسائر…
حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامة ردّ على ادعاءات الحكومة، بأن ما تزعم الحكومة أنه خسائر، ليس في الحقيقة سوى دين على الدولة، وأن ليس على مصرف لبنان دين، وإنما كل ما قيل إنها ديون حوّلت الى الدولة، وعلى الدولة أن تعيدها الى مصرف لبنان، فتصبح المشكلة محلولة.
ثالثاً: لم يقتصر الحديث على ما أشرنا إليه، بل ان أحد العباقرة في الوفد الحكومي، اشار الى أنّ المصارف ربحت أموالاً هائلة بسبب الفوائد المرتفعة التي فرضتها، لذلك فإنّ على المصارف تحمّل مسؤولية الدين وما سمته خسائر.
وهنا أجاب رئيس جمعية المصارف: «نحن لسنا مسؤولين وأنّ شراءنا سندات الخزينة لا يشكل أكثر من 10٪ من استثماراتنا».. اضاف: «كنا نشتري السندات لسببين: أولاً لأنها لبنانية وأولويتنا هي العملة الوطنية، وثانياً انها كانت تعطي فوائد يستفاد منها».
ذكّر رئيس جمعية المصارف أنه منذ فترة طويلة حذرنا من الهدر والفساد، وطرحنا قضية أن لبنان لا يتحمّل هذا الهدر، وطرحنا موضوع الكهرباء، وكيف اننا لو استبدلنا الفيول بالغاز، فإنّ هناك توفيراً يقدّر بمليار ونصف المليار سنوياً، ولكن لا حياة لمن تنادي، بل العكس صحيح فقد تعرّض رئيس جمعية المصارف السابق لتوبيخ بسبب هذا الرفض.
رابعاً: بقضي الخطة بالاستعانة بصندوق النقد الدولي وهذا جيد، ولكن دعونا نرى ما حدث قبل هذا الطرح.
أ- «الحزب العظيم» أقام الدنيا ولم يقعدها على صندوق النقد الدولي، وقال إنّ هناك مؤامرة أميركية للسيطرة على لبنان وهذا كله لمصلحة إسرائيل.
نحن هنا نسأل «الحزب العظيم»: لماذا يحق لإيران ولولاية الفقيه الطلب من الصندوق 5 مليارات دولار ولا يحق للبنان؟
ب- عاد «الحزب العظيم» ووافق على السماح لوفد من الحكومة بالإجتماع مع ممثلي الصندوق.
ج- يظهر أنّ ذاكرة الحكومة ضعيفة كي لا نقول أكثر… فهل نسيت الحكومة انها أعلنت نيّتها في عدم دفع سندات اليورو بوند المستحقة في ذلك الوقت، وكان السند الاول يقدّر بمليار ومائتي مليون يورو، وستصل قيمة المستحقات الاخرى هذا العام الى 4 مليارات. كما زادت الحكومة الطين بلّة، حين أعلنت انها غير مستعدة للدفع لغاية العام 2035.
بالله عليكم… كيف تريدون التوجّه الى الصندوق طالبين منه دعماً مالياً؟ وهل هناك من إنسان عاقل يتقبّل مثل هذا التصرّف؟
في النهاية شكرٌ كبير نوجهه لرئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري الذي تدخل مع السلطات العليا في الوقت المناسب، فعقد اجتماعاً مع رئيس الجمهورية وطالب بحضور حاكم مصرف لبنان ليطلع منه على حقيقة الامر، وهنا جاء الحاكم وقال: «إنّ حسابات مصرف لبنان كلها موجودة ضمن الكتاب الذي سلمته الى الرئيس، وفيه كل المعلومات المطلوبة».. وأضاف الحاكم: «إنّ 60 مليار دولار كديون على الدولة لمصرف لبنان والمصارف اللبنانية، هي ديون مستحقة، ويجب سدادها. أما بدعة أن يتحمّل مصرف لبنان الديون ويحمّلها للبنوك، فهذا غير مقبول وغير محق وغير شرعي، ولا يوجد في العالم تفسيرٌ له»… وذكّر الحاكم أنه في عدد من المحطات نبّه الى أنّ سلسلة الرتب والرواتب كانت سبباً من أسباب هذا العجز، فهي (أي السلسلة) لا يستطيع أحد حتى اليوم تقدير كلفتها تماماً… كذلك موضوع الكهرباء الذي هو من أهم مواضيع الهدر، والذي استهلك أكثر من نصف الديون.
أما بالنسبة للفائض من الموظفين والذي يصل الى 64 ألفاً، فهو مشكلة المشاكل.
أخيراً، نشكر الله أنّ هناك رجل دولة كبير هو رئيس مجلس النواب، الذي يتحمّل مسؤوليته بحكمة ويقف الى جانب الحق…
كذلك، فأن يتحمّل المودع اللبناني جرائم الهدر والسرقات والفوضى المرتكبة من قِبَل الطبقة الحاكمة، فذلك ظلم غير مقبول وغير منطقي.
وإن كنا نسينا فإننا لا ننسى رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، هذا الرجل العاقل الذي يتصرّف بحكمة وعقلنة ويعالج الأمور بموضوعية.