تكرّ سبحة الفراغ وتضرب معظم مؤسسات الدولة اللبنانية، والخوف من امتداده أكثر طالما لم تُحلّ أزمة الشغور في الرئاسة الأولى وبقيت البلاد محكومة من حكومة تصريف أعمال غير متجانسة ولا تستطيع فعل شيء لوقف مسلسل الإنهيار. مثلما بات معلوماً، فقد غادر اللواء عباس ابراهيم المديرية العامة للأمن العام بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد، وهذا الجهاز الذي كان من حصة المسيحيين وسُلخ عنهم بعد تولّي العماد إميل لحود رئاسة الجمهورية واشتداد القبضة الأمنية اللبنانية – السورية، ذهب إلى المكوّن الشيعي وتلقّى الدعم الكامل ليصبح بين الأجهزة الفاعلة في البلاد.
تقاعد اللواء عباس ابراهيم بعدما تمّ الإيحاء بنية التمديد له كمكافأة لخدماته التي قدّمها للمنظومة الحاكمة، لكن فجأة لم يُمدّد له وفشلت «المنظومة» بجناحها السياسي، أي «الثنائي الشيعي»، وبرأسها التنفيذي، أي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بضمان استمرار ابراهيم على رأس الأمن العام، وقد تمّ تعيين العميد الياس البيسري على رأس الجهاز بالإنابة لحين تعيين أصيل.
وكثُر الكلام عن تخلّي المنظومة عن ابراهيم وسط عدم وجود كيمياء بين اللواء ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، ومرّ تقاعده بسلاسة بعد إبلاغ ميقاتي الوزراء في آخر جلسة حكومية باستحالة التمديد لابراهيم، وطُرحت علامات استفهام جديّة حول رضى «الثنائي الشيعي» ومعه المنظومة بالتخلّي عن ابراهيم بهذه الطريقة السلسة، وكيف لم يعترض المكوّن الشيعي على ذهاب مدير عام الأمن العام، ولو موقتاً، إلى المسيحيين.
هناك تخوّف جدّي ظهر منذ أشهر حول وجود مخطّط لإفراغ المواقع المسيحية الأولى في الدولة، ويتنامى هذا الخوف مع محاولة «الثنائي الشيعي» فرض مرشحه الرئاسي على المسيحيين، ومن جهة ثانية، تحذّر مراجع روحية وسياسية مسيحية من مخطّط لإحداث الفراغ الشامل.
وفي السياق، تشرح المصادر خطورة الأمر وتقول: المؤسسات لا تقوم على أشخاص، وإحالة ابراهيم إلى التقاعد هو أمر طبيعي، لكن هذا السكوت من قِبل المكوّن الشيعي والتخلّي السريع عنه يزرع بعض الشكّ. وتُعلّل هذه الشكوك، بذهاب مركز مدير عام الأمن العام إلى نائب المدير المسيحي، أي العميد البيسري، وبالتالي سيشهد لبنان إستحقاقاً أخطر وهو فراغ موقع حاكم مصرف لبنان في تموز، وعندها سيذهب هذا المركز إلى النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، وهو موظف شيعي محسوب على «حزب الله» وحركة «أمل»، وعندما ستتعالى الأصوات المسيحية المعترضة، سيُقال: بالأمس ذهب مركز مدير الأمن العام إلى المسيحيين ولم نعترض كشيعة، فلماذا تعترضون كمسيحيين على خطوة قانونية في المصرف المركزي؟
مما لا شكّ فيه أن كل المراكز في الدولة مهمّة، لكن مركز حاكم «المركزي» هو الأهم على الإطلاق كما دلّت التجارب الأخيرة، ودخول «الثنائي الشيعي» بهذه القوة إلى الحاكمية والإمساك بقرارها إذا لم يُنتخب رئيس جديد للجمهورية ويُعيّن حاكم جديد في تموز يعني أن كل المراكز التي كانت خارج سيطرة «الشيعية السياسية» باتت تحت سيطرتها.
ولا يدخل الحذر المسيحي من باب طائفي، بل من تخوّف على استمرار نهج الإدارة الحالية للدولة من قِبل المنظومة التي يُشكّل «حزب الله» و»أمل» أحد أكبر رعاتها، من هنا يبرز الخوف المسيحي من إطالة أمد الشغور الرئاسي للإستمرار بإفراغ المؤسسات ووضع اليدّ عليها، فمركز حاكم «المركزي» يوازي بأهميته ربما رئاسة الجمهورية وخصوصاً في هذه الظروف العصيبة، وبالتالي قد يُفهم لماذا سكت «الثنائي الشيعي» عما حصل في الأمن العام، لعلّه يُشكّل مقدّمة لحكم لبنان مالياً في المرحلة المقبلة وتشريع بعض الأمور المالية المرفوضة وغير الشرعية والتي ستتحوّل إلى أمر واقع يستفيدون منه لسنوات ولا يستطيع الحاكم الجديد أن يغيّر فيها شيئاً فور تعيينه، وبعدها لا مانع لـ»الثنائي الشيعي» من عودة الحاكمية إلى المسيحيين فور انتخاب رئيس وتعيين حاكم.
بات واضحاً أنّ المدخل الأول لوقف مسلسل الفراغ هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية وليس التمديد للموظفين «رموز» هذه المنظومة مثل اللواء ابراهيم أو حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، عندها يستقيم عمل المؤسسات، لكن الفريق الأول المعطّل يبقى «الثنائي الشيعي» الذي لا يحترم إرادة المسيحيين ويريد فرض رئيس يناسبه ولا يناسب البلاد والمسيحيين على حدّ سواء.