الاول من ايلول ١٩٢٠ كان اعلان دولة لبنان الكبير ومنذ ذلك التاريخ عرفنا عشرة عهود رئاسية وتسعة رؤساء للجمهورية، وبعد الاستقلال ١٩٤٣ انتُخبَ ثلاثة عشر رئيساً للجمهورية، وبذلك يكون الرئيس ميشال عون هو الرئيس الثالث عشر بعد الاستقلال، والثاني والعشرون منذ دولة لبنان الكبير. وعرف لبنان ايضا خمسة وعشرين برلماناً الذي سُمي في البداية المجلس الإداري ثم المجلس التمثيلي الاول والثاني قبل تسميته بالمجلس النيابي ١٩٢٨. وتكوّن سبعة مجالس وتسعة رؤساء، وبعد الاستقلال تم انتخاب ثمانية عشر مجلساً نيابياً وسبعة رؤساء، وبذلك يكون الرئيس نبيه بري الرئيس السابع بعد الاستقلال والسادس عشر منذ مئة عام. اما بالنسبة للحكومات فلقد عرف لبنان أربعاً وخمسين حكومة خلال خمسة وسبعين عاماً منذ الاستقلال وستة وعشرين رئيس حكومة، و قبل ذلك تم تشكيل ثماني عشرة حكومة وخمسة عشر رئيساً ، وبذلك يكون الرئيس سعد الحريري الرئيس السادس والعشرون بعد الاستقلال والواحد والاربعون منذ اعلان دولة لبنان الكبير.
شهد العام ٢٠١٨ في بدايته انتخابات نيابية وانتهى العام بتشكيل حكومة جديدة تمثل الأكثرية الفوق مطلقة للبرلمان الجديد، الذي اهدر عاماً كاملاً من ولايته المحددة بأربع سنوات بدون حكومة ولا تشريع وذلك من اجل انخراط كل السلطة التشريعية في كل السلطة التنفيذية، مما يعبر عن الرغبة المطلقة في السلطة ، وانعدام الرغبة في ممارسة الحياة السياسية ، وهذه الماساة هي نتيجة طبيعية لثقافة الوصاية العميقة والمكتسبة لدى اهل السلطة من الانتداب الفرنسي الى الوصاية البريطانية ثم الاميركية ثم المصرية والفرنسية ثم الفلسطينية والسوفياتية والعراقية والليبية والسورية والاسرائيلية والايرانية والاوروبية الى القوات الدولية والمؤسف حقا هو تأقلم العديد من اللبنانيين مع ثقافة الوصاية النافية للسيادة الوطنية ويمارسونها فيما بينهم وعلى الطوائف الأصغر والأضعف مع استدعاءات واغراءات دائمة الى المزيد من الراغبين بالوصاية او السياحة السياسية والتي أصبحت ميزة لبنان الاساسية.
ستتقدم الحكومة اللبنانية الثانية والسبعون ببيانها الوزاري الى المجلس النيابي الخامس والعشرين المنخرط بالسلطة والممتنع عن السياسة، وستُمنح الحكومة الثقة في مطلع العام ٢٠١٩ الذي يصادف العام ما قبل الاخير لمئوية لبنان الكبير، هذه التجربة الوطنية التي بنيت على شجاعة التجاوز الطائفي والجغرافي والثقافي وعلى الاستشراف الوطني الخلاق الذي تجسد على مدى عقود طويلة في العيش الآمن بين ابناء الطوائف في البقاع والجنوب والشمال ومتصرفية جبل لبنان وفي بيروت عاصمة المدرسة والجامعة والكتاب والإبداع والعمل لكل ابناء لبنان، وقد شهدت التجربة الوطنية تحديات واعتداءات واحتلالات ووصايات ونزاعات مؤلمة، وكان لبنان على مدى مئة عام مختبر لصناعات الفوضى والنزاعات الطائفية والقبلية والمذهبية والعرقية والتي أصبحت تعم الآن المنطقة بأسرها، ولا بد من الاعتراف بان الكثير من اللبنانين قد رسبوا في الاختبار واحترفوا النزاعات.
ان فكرة الدولة الوطنية بقيت ضرورة مطلقة للأجيال اللبنانية المتعاقبة من كل الطوائف والمناطق والتكونات السياسية، وان تمسك اللبنانيين بدولتهم أمسى نموذجا ضروريا لكل شعوب المنطقة المأزومة من سوريا الى العراق الى الى، مما يحتم على الحكومة العتيدة اعادة الاعتبار لنجاحات دولة لبنان الكبير كتجربة وطنية مميزة للاكثرية المطلقة من الشعب اللبناني، الذين صنعوا الإنجازات في كل مجال وتغلبوا على كل التحديات والانقلابات والوصايات، ودفعوا أغلى الاثمان دفاعا عن وحدتهم وارضهم وسيادتهم، وأعادوا بناء ما تهدم، وحافظوا على انتظامهم في دولتهم الوطنية ومؤسساتها، ويأملون من حكومتهم الجديدة احترام تجربتهم وتضحياتهم وإنجازاتهم وان تكون هذه الحكومة « حكومة مئوية لبنان الكبير » .