IMLebanon

قرن على المجازر.. والقضية تنبض

قرن مرّ على المجازر الأرمنية.. ومن المعترف به، على نطاق واسع، انها تعد من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث..

اتخذ العديد من أبناء الطائفة الارمنية قبل 100عام لبنان موطناً لهم وتوسعوا جغرافياً وديموغرافياً حتى تجاوز عددهم اليوم ما يقارب 150 الفا. وانشأوا على مر السنوات كنائسهم ومدارسهم وجمعياتهم ونواديهم الثقافية والرياضية واذاعتهم وصحفهم باللغة الأرمنية. وهم يتوزعون اليوم على مختلف المناطق اللبنانية ويتواجدون بشكل مكثف في مناطق برج حمود وعنجر وانطلياس وساحل المتن وزحلة وغيرها من المدن، ولهم في البرلمان اللبناني نواب، وفي الحكومة وزراء، وفي الدولة مدراء عامون، وفي المؤسسات اللبنانية ممثلوهم، وهم يتوزعون على ثلاثة أحزاب رئيسية: الطاشناق والهنشاك والرامغفار.

ويعيش الارمن في لبنان كبقية الطوائف اللبنانية. فهم لبنانيون من أصول أرمنية، ولعبوا دوراً مهماً ومميزاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وشكلوا ثقلاً في الحياة السياسية اللبنانية وبقوا على مسافة واحدة من جميع الطوائف المكونة للشعب اللبناني. فلم يستفزوا مشاعر أحد ولم يشاركوا في الاحداث والحرب، ودفعوا ثمناً باهظاً بسبب موقفهم هذا. 

واتسم الأرمن بالصدق في تعاملهم وحسن ادائهم. صدقوا في المعاملة وفي الحياة السياسية والاجتماعية، وبرز منهم شخصيات اقتصادية وثقافية وتجار ورجال اعمال واطباء ومهندسون وفنانون وموسيقيون واعلاميون. ولهم مدارس وكليات. كما يتكلم الأرمن العربية إلى جانب احتفاظهم بلغتهم الأم. وبالرغم من ارتباطهم العاطفي بانتمائهم، لكنهم اندمجوا في مجتمعهم بشكل كبير، وحافظوا على علاقاتهم الاجتماعية وطقوسهم وتاريخهم الأرمني حتى استطاعوا تكوين دولتهم في ما بعد. ونالت أرمينيا استقلالها عن الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991. ورغم ذلك، فهم يتمسكون بلبنانيتهم ويعتبرون لبنان وطناً نهائياً لهم.

والحقائق المؤثّقة التي تمّ اكتشافها منذ اليوم الأول للإبادة، ومن تلك الوثائق، رسائل رسمية من السلطنة تأمر بقتل الأرمن. وتلتها رسائل سفراء ووزراء وكان آخرها في مدرسة عينطورة في لبنان، كانت مخصصة لأطفال الأيتام الأرمن، تحت إدارة تركية حاولت تبديل أسمائهم. وهدف الشعب الأرمني ليس الثأر ولا الانتقام بدليل أن الأرمن عاشوا مع الأتراك مئات السنوات ومنهم من كان مسؤولاً في وظائف من الطراز الرفيع في السلطنة، ومنهم 3 متصرّفين في لبنان من الأرمن العثمانيين.

ومع حلول ذكرى المئة عام، يشارك عدد من زعماء العالم في الاحتفالات التي تقيمها أرمينيا، وقال الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع أنقرة، ملقيًا باللوم على «افتقار تركيا للإرادة السياسية لإنهاء 100 عام من العداوة». وأضاف إنه «لا ينبغي وجود شروط مسبقة لاستئناف عملية السلام، وإنه لن يصرّ على قبول الأتراك أنهم ارتكبوا عملية إبادة، فيجب في نهاية الأمر، أن نقيم علاقات طبيعية مع تركيا وإقامة هذه العلاقات الطبيعية يجب أن تكون بدون أي شروط». 

وللمرة الأولى، كان البابا فرنسيس استخدم في قداس احتفالي في كاتدرائية القديس بطرس في روما، كلمة «ابادة» لوصف مجازر الارمن في ظل السلطنة العثمانية قبل مئة عام، ما أثار اضطرابا كبيرا في العلاقات الدبلوماسية بين الفاتيكان وتركيا. على الأثر استدعت تركيا سفيرها في الفاتيكان للتشاور معه، وسط خلاف دبلوماسي متصاعد حول الأمر.

على صعيد العلاقات بين الدولتين، كانت أرمينيا، التي يبلغ عدد سكانها 3.2 ملايين نسمة، عقدت اتفاقات مع تركيا في تشرين الأول 2009 لإقامة علاقات دبلوماسية وفتح حدودهما البرية، لكن الاتفاقات أصابها الجمود في برلماني البلدين، واتهم كل طرف الآخر بمحاولة إعادة كتابة النصوص ووضع شروط جديدة. 

في العام 1948، تم توقيع اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. دوليا، أكثر من 25 دولة غربية اعترفت برلماناتها رسميا بهذه الابادة الانسانية منذ بيان الحلفاء في 28 أيار 1915 وايضا في تقرير لجنة جرائم الحرب في الامم المتحدة الذي صدر في 28 ايار 1948، وغالبية هذه الاعترافات جاءت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي العام 1989. قبل ذلك التاريخ، كان العالم مشغولا بالحرب الباردة ما عطل العدالة الدولية وحقوق الانسان.

ونتيجة هذه الإبادة كانت تهجيرا وتشريدا، رُسمت الحدود الجغرافية الجديدة للوجود الأرمني في مختلف أنحاء العالم. والمحطة الأولى للتهجير كانت الصحارى السورية ومدن دير الزور وحلب ودمشق وبعد ذلك توزع المهجرون على فلسطين ولبنان والعراق ومصر مشكلين بذلك مجتمعاً شرق أوسطياً بالاضافة إلى الجالية الأرمنية القديمة في إيران. 

في 24 تموز 1923، وما ان تمَّ التوقيع على معاهدة لوزان من دون ذكر أي بند عن الأرمن وحصر القضية وحقوق الشعب الأرمني في بند يتعلق بوعد تركي للحفاظ على الأقليات دون ذكر حتى اسم هذه الأقليات، حتى اقتنع الأرمن بأن دول الشرق الاوسط، وخصوصا سوريا ولبنان، ليست محطة بل وطن جديد يجب الاقتناع بضرورة اعطاء وجودهم في هذه الدول الطابع الدائم.