IMLebanon

شهادة حسن سلوك من حسن نصرالله لعون وفرنجية

بعد ساعة وربع الساعة من اللف والدوران، اكّد الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله انّه يريد الفراغ الرئاسي في لبنان ويسعى اليه. الفراغ هدف بحدّ ذاته للحزب ولايران التي تقف خلفه.

لو لم يكن الامر كذلك، في ضوء اعلانه الانتصار على حركة الرابع عشر من آذار، كان في استطاعة حسن نصرالله السماح بانعقاد جلسة لمجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية من الثامن من آذار، اي اما ميشال عون واما سليمان فرنجيه. في ذلك الانتصار الحقيقي، وهو انتصار على الذات اوّلا وليس على المسيحيين في لبنان.

 لماذا لا يترك «حزب الله» اللعبة الديموقراطية تأخذ مجراها… ام ان الديموقراطية بالنسبة اليه موجودة فقط في ايران حيث تجرى تصفية مسبقة للمرشّحين، فلا يدخل مجلس النواب ولا الهيئات العليا سوى اشخاص من طينة معينة.

حتّى حسن الخميني، حفيد آيه الله الخميني مؤسس «الجمهورية الاسلامية» مُنع من خوض الانتخابات الخاصة بمجلس الخبراء كونه صار محسوبا على تيّار «الاصلاحيين»، من امثال مهدي كروبي ومير حسين موسوي، الموجودين في الاقامة الجبرية، فيما ممنوع ظهور الرئيس السابق محمد خاتمي في التلفزيون الرسمي.

ما الذي يخيف حسن نصرالله ولا يزال يربكه بعد اعلانه هزيمة الرابع عشر من آذار وتخليه عن اي رغبة في تعديل الدستور وتبرئة ايران من اي تدخل في الشأن اللبناني، خصوصا في انتخابات رئاسة الجمهورية؟ لماذا لا يسمح بانتخابات رئاسية في لبنان؟ هل صار يلعب دور «المرشد» الذي يعطي شهادات حسن سلوك للسياسيين في بلاد الارز، بما في ذلك شهادة لسليمان فرنجيه واخرى لميشال عون؟ هل الحصول المسيحي اللبناني على شهادة حن سلوك من حسن نصرالله طموح اي مسيحي في لبنان، بما في ذلك المرشحون لرئاسة الجمهورية والطامحون لهذا الموقع؟

اذا كان من ملخص للخطاب الطويل الذي القاه مساء الجمعة الماضي، فهذا الملخص هو انّ الحزب لا يزال ملتزما تأييد ميشال عون، لكنّه لا يستطيع اجبار حلفائه، على رأسهم حركة «امل» ورئيسها نبيه برّي على تأييد ما يسمّى بـ»الجنرال». اكثر من ذلك، لا تزال مسألة انتخاب رئيس للبنان حكاية طويلة تحتاج الى تفاهمات وحوارات بين اللبنانيين. فجأة صار نبيه برّي خارج نطاق سيطرة «حزب الله». من اغلق مجلس النوّاب طوال سنوات، في تاريخ لم يمض عليه الزمن، ارضاء لـ»حزب الله» غير نبيه برّي؟

ردّ نصرالله بطريقة مباشرة على الدكتور سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في حزب «القوات اللبنانية» الذي القى الكرة في ملعب «حزب الله» وذلك باعلانه ان العلاقة بين اطراف الثامن من آذار هي علاقة بين اطراف متساوين، علما انّها علاقة بين فريق مسيطر في المطلق هو «حزب الله» وتوابع له، حتّى لا نقول ادوات، لا اكثر. على من يضحك الامين العام لـ»حزب الله»؟

 قبل كلّ شيء استخف حسن نصرالله بالنقاط العشر التي طرحها سمير جعجع في المؤتمر الصحافي الذي تبنى فيه ترشيح ميشال عون. كانت رسالته الى جعجع ان هذه النقاط العشر التي اعلن ميشال عون موافقته عليها، اقلّه ظاهرا، لا تعني شيئا بالنسبة الى «حزب الله».

اصرّ الامين العام لـ»حزب الله»، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية تشكل لواء في «الحرس الثوري» التابع لايران، على التورط في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري والتي لا يمكن ان تجلب سوى الويلات على لبنان واللبنانيين في كل المناطق.

لا نأي بالنفس للبنان في سوريا، كما حاول ان يصوّر سمير جعجع في النقاط العشر التي يُفترض في ميشال عون ان يكون اعتبرها برنامجه الرئاسي. قرأ حسن نصرالله ما يريده من النقاط العشر وفسّرها على هواه بعدما اعتبر نفسه منتصرا على خصومه في لبنان في ضوء استسلام الرابع عشر من آذار لمرشّح من الثامن آذار في انتخابات رئاسة الجمهورية.

الآن، بما انّ المعركة صارت محصورة بين سليمان فرنجية وميشال عون، يستطيع «حزب الله» الانتظار الى اليوم الذي يقبل فيه الجميع بان البلد صار محكوما من «حزب الله»، اي من ايران. عندئذ ستطرح التعديلات الدستورية وسيطرح حسن نصرالله ما المطلوب من لبنان كي يصبح بشكل رسمي مستعمرة ايرانية.

ليس هناك استعجال من ايّ نوع كان لدى «حزب الله» على نقل لبنان من مكان الى آخر. من دولة عربية مستقلّة، الى ما يشبه، الى حدّ كبير، الوضع السائد في العراق منذ العام 2010، لدى استسلام نوري المالكي لطهران عندما اصبح في مواجهة مع الدكتور اياد علّاوي الذي تقدّمت لائحته وقتذاك في الانتخابات التشريعية وصار من حقّه الدستوري ان يكون رئيسا للوزراء.

ما فات الامين العام لـ»حزب الله» ان ايران ليست قوة عظمى، كما يتصوّر. ايران دولة مفلسة ومتخلفة بكلّ المقاييس الاقليمية والدولية. كان في استطاعتها تحقيق ما تحققه الآن من تقارب مع «الشيطان الاكبر» الاميركي ومع الاوروبيين في ظل شروط افضل بكثير.

اختارت ايران لعبة الابتزاز. دفعت ثمنا باهظا لهذه اللعبة. ماذا ينفع ايران ان تكون تهديدا لجيرانها؟ ماذا ينفع ايران ممارسة لعبة اثارة الغرائز المذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وفي كلّ دولة من دول الخليج.

يراهن حسن نصرالله على ايران. يراهن في الواقع على وهم اكثر من اي شيء آخر. يستطيع اعطاء كل شهادات حسن السلوك التي يريدها لمسيحيين لبنانيين يطمح كل منهم الى ان يكون رئيسا للجمهورية. يتجاهل ان لعبته مكشوفة وان كلّ ما في الامر انّه يمتلك ميليشيا مذهبية مسلّحة لا هدف لها سوى تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية. يريد اقامة دولة «المرشد» في لبنان لا اكثر ولا اقلّ. هذه الميليشيا المذهبية تستخدم في قهر اللبنانيين. هناك من يقبل هذا القهر وهناك من يرفضه مثل الشيخ سامي الجميّل رئيس حزب «الكتائب» الذي لم يفرّق بين مرشّح من الثامن من آذار وآخر. ما يرفض حسن نصرالله القبول به ان هناك لبنانيين ما زالوا يقاومون مشروع انتصار دويلة «حزب الله» على الدولة اللبنانية. هناك مسيحيون لا يحتاجون الى شهادة حسن سلوك لا من «حزب الله» ولا من ايران.

لا يزال من الباكر اعلان حسن نصرالله انتصاره على لبنان واللبنانيين. فعندما وافق الرئيس سعد الحريري على سليمان فرنجيه رئيسا، كان الحريري يستهدف انقاذ مؤسسة رئاسة الجمهورية والجمهورية.

بتهميشه رئاسة الجمهورية وادخالها في متاهات من نوع الاتفاق على ان يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية قبل نزول النوّاب الى مجلس النوّاب، يتبيّن ان كلّ الهدف من هذه المناورة المكشوفة القضاء على ما بقي من الديموقراطية اللبنانية من جهة وتحويل لبنان الى تابع للنظام الايراني ومفهومه المضحك ـ المبكي للديموقراطية من جهة اخرى. هل هذا طموح المسيحي في لبنان؟