تعددت القراءات والنص واحد: “إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بشأن الترتيبات الأمنية المعززة وتنفيذ القرار 1701”. لكن تعدد القراءات هو مجرد تنويع للهرب من قراءتين لا مجال لسواهما: قراءة من داخل النص وروحه. وقراءة من خارج النص. والبداية معبرة، بصرف النظر عن أحاديث البطولات والضربات والفارق بين اندفاع المهجرين نحو قراهم وبين خوف المستوطنين من العودة إلى مستوطناتهم في الجليل. إذ “بعد مناقشات جرت مع حكومتي الجمهورية اللبنانية ودولة إسرائيل أقرت الولايات المتحدة وفرنسا برغبة مشتركة من جانب لبنان وإسرائيل في التوصل إلى حل مستدام للتصعيد الحالي وأعربت الدولتان عن استعدادهما لاتخاذ خطوات من شأنها أن تعزز الظروف المؤاتية لحل دائم وشامل”.
أما المفاوض الأساسي، فإنه “حزب الله” من خلال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لأن من يقاتل هو عملياً من يوافق أو يرفض. أما ما التزمه، فليس فقط تنفيذ القرار 1701 بالكامل بل أيضاً “التزام قرارات مجلس الأمن السابقة بما في ذلك نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان”. ولا أحد يجهل أن الطريق إلى حل مستدام على طريق الحل الشامل يتجاوز منع المسلحين والأسلحة غير المرخص لها من جنوب الليطاني وتفكيك ما أقاموه من بنية عسكرية إلى الموضوع الاستراتيجي الأساسي: نهاية الحرب، وبالتالي التوقف عن تجنيد الوطن الصغير لمهمة غادرها العرب ويعجز “محور المقاومة” عن القيام بها. أم الارتباط المصيري بالحرب الدائمة والمشروع الإقليمي الإيراني الذي يديرها؟
أكثرية اللبنانيين ضد تدمير لبنان من أجل مشروع في الغيب هو دائماً في مسار صفقة مع أميركا. لا فقط لأن الإنهيار وصل إلى أقصى مراحله وجاء وقت إعادة البناء السياسي والاقتصادي بل أيضاً لأن ترك لبنان رهينة مشروع لتحرير فلسطين فشل على مدى مئة عام ويراهن “محور المقاومة” على مئة سنة أخرى. لكن “المقاومة الإسلامية” تقرأ من خارج النص، وتتصرف، لا فقط على أساس أنها خرجت من المعركة “منتصرة” برغم الدمار بل أيضاً على أساس أن مهمتها هي إعادة التسلح وتقوية المواقع والإصرار على إكمال المقاومة. وهي في هذا تلغي التعدد في لبنان لمصلحة الأحادية لدى فريق واحد، وتتهم المعارضين بأنهم يخدمون “العدو الإسرائيلي-الأميركي”. ولا معنى لاتهام نصف اللبنانيين بالعمالة لمجرد تمسكهم بلبنان الذي تدمره الحرب. وما تراهن عليه هو أنها أفشلت أهداف نتنياهو، غير أن النصر السلبي يبقى قاصراً عن نصر إيجابي قوامه تحقيق الأهداف من الحرب لا مجرد تفشيل بعض ما أراده العدو. والمشهد خلال تطبيق القرار 1701 بشكل جدي لا يترك مجالاً للخطأ في القراءة أو للقراءة الإيديولوجية.
والخيار محدد: إنقاذ لبنان أم دفعه من جديد نحو حرب بلا نهاية؟
ولا مهرب أمامنا من “إعادة المعنى إلى الكلمات” كما قال كونفوشيوس.