IMLebanon

سيزار المعلوف: «حيث لا يجرؤ الآخرون»

 

 

منذ ثلاث سنوات، نجح النائب الزحليّ في تكتل الجمهورية القوية سيزار المعلوف بالحفاظ على استقلاليته والتغريد خارج المواقف القواتية المُدارة من الدائرة الإعلامية. كل ذلك كان يمكن «ابتلاعه» في معراب إلى أن مسّ المعلوف بالسفيرة الأميركية وحاكم مصرف لبنان، فكان عقابه إخراجه من التكتل و«من مجموعات الواتساب» الخاصة بالقوات

 

في كل مرة يُنقل تصريح أو بيان لنائب زحلة في تكتل القوات اللبنانية سيزار المعلوف، يليه خبر تلقائي عن خروجه من التكتل. ذلك أن المعلوف، غير الحزبي، لا يلتزم تعليمات الماكينة القواتية ولا يسير بديهياً وراء خطاب رئيس الحزب سمير جعجع، بخلاف زملائه. وأول من أمس، رغم انتقاد جعجع المباشر لما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن انطلاق سفينة وقود إيرانية باتجاه الأراضي اللبنانية واعتبار جعجع ذلك مشكلة إضافية في ظل العقوبات، كان المعلوف يتنقل من شاشة إلى أخرى مُرَّحِباً بالسفينة من أي ناحية أتت. لم يكتفِ بهذا الكلام، بل ذهب بعيداً في نقده للسفيرة الأميركية دوروثي شيا والدول الخليجية وفرنسا «الأم الحنونة»، الرعاة الرسميين لجعجع، لمساهمتهم في الحصار على لبنان وتجويع الناس وإذلالهم، ثم تابع هجومه على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «أكبر فاسد الذي سرق أموال الناس «يكسّر إيديه» ولا زالت أميركا تدعمه وتمنحه جوائز». بعدها توجه إلى شيا بالقول «صح النوم»، مشككاً في ما أعلنته عن السماح بنقل الغاز المصري إلى لبنان، ومشيراً إلى أن «هذا الحلّ غير مستدام، بينما المساعدة الإيرانية غير مشروطة وإيران لا تفرض شروطها على أحد». فبحسب المعلوف، «الأزمة تُظهر مَن العدو ومَن الصديق الذي يساعد البلد (…) وإذا كان المطلوب توطين الفلسطينيين فقد خسئتم ومن حقّهم العودة إلى بلادهم».

 

تلك التصريحات لا تشبه خطاب القوات. هذا الخروج عن «ثوابت معراب»، استدعى إيراد خبر على محطة «أم تي في» المقربة من القوات، يتحدث عن قول جعجع في مجلسٍ خاص إنّ التكتل خسر أحد أعضائه وبأنه بات محسوماً أنّ المعلوف لن يكون على لائحة القوات في الانتخابات النيابية المقبلة. تلا ذلك خبر «طرد» المعلوف من مجموعات الواتساب التابعة للقوات الذي نشرته قناة «الجديد» وأكدته مصادر قواتية لـ«الأخبار».

فعلياً، بات المعلوف خارج تكتل الجمهورية القويّة بانتظار الإعلان الرسمي للقوات عن الأمر. وحتى يوم أمس، لم يكن النائب الزحليّ قد تبلّغ أيّ قرار بهذا الصدد، لكنه أشار في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «السكوت عن الأخبار المتداولة وعدم نفيها يعني رضى القيادة القواتية عنها». حصل ذلك فقط لأنه طالب «بكرامة الإنسان ويبدو أن ثمة من امتعض من الأمر»، ليعقّب: «بين أن أكون نائباً أو عبداً، أفضّل أن أكون حُرّاً». يتمسك المعلوف بإصراره على الترحيب بالسفينة الإيرانية «في حال كانت ترفع الذلّ والجوع عن المواطن»، مُكّرراً: «لا عدوّ للبنان إلا العدو الإسرائيلي ولن أقبل أن أكون شاهد زور كما لا أقبل أن أكون حزبياً. أنا مستقل ومتحالف مع القوات وإن كانوا غير قادرين على تحمّل كلامي أو رأيي فتلك مشكلة». وعما إذا كان تلقى أي اتصال من أي مسؤول في حزب القوات اللبنانية، قال إن أحداً لم يُكلّمه أو يبدي انزعاجه، «ففي الأساس لا أسمح لأحد أن يعاتبني لا في الحاضر ولا طوال ثلاثة سنوات». فيما تشير مصادر مطلعة إلى أن حزب القوات لطالما أبدى ارتياباً من تصريحات عضو تكتله النيابية، وحاول مراراً فرض شروطه عليه بما فيها عدم إصدار بيانات أو الكلام من دون استشارة الدائرة الإعلامية في معراب، لكنه كان يرفض الطلب مؤكدّاً استقلاليته.

 

خلافاً لوالده وعمه، لطالما كان المعلوف – قبل النيابة – مؤيداً للجنرال ميشال عون

 

 

خروج المعلوف من التكتل القواتي كان متوقعاً، فتاريخ الأخير الشخصي لا ينسجم بأي محطة كانت مع توجهات معراب ومواقفها رغم أن عائلته، وتحديداً والده نعيم المعلوف وعمه يوسف المعلوف، تناصر جعجع منذ خروج الجيش السوري من لبنان. لكن للمفارقة غرّد سيزار المعلوف خارج خيار العائلة ليدعم لائحة الوزير الراحل إيلي سكاف والتيار الوطني الحر في وجه القوات والمستقبل وفتوش عام 2005. خيار المعلوف الابن لم يكن مفاجئاً، بل لطالما وقف إلى جانب التيار الوطني الحر، وكان من بين الناشطين على الأرض قبل عودة ميشال عون ويحمل صوره علانية. وفي انتخابات 2009 وبعدها، بدأ تحالفاً وثيقاً مع سكاف والتيار إلى أن تمّ الفراق مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف في العام 2016 بعد دعمه لائحة التيار والقوات في الانتخابات البلدية. فالمعلوف محسوب على الحالة العونية وظلّ حتى قبيل أيام معدودة من انتخابات 2018 المرشح الأرثوذكسي للتيار في زحلة ويحظى بدعم الرئيس عون والنائب سليم عون. لكن حملة مضادة شنّها عليه الفريق المقرب من النائب جبران باسيل، نجحت باستبدال اسمه برئيس مجلس إدارة شركة «كهرباء زحلة»، أسعد نكد. حينها، عبّر عونيون في زحلة عن معارضتهم لاستبعاد سيزار وتفضيل نكد عليه، وهو ما دفع بباسيل خلال مهرجان زحلي في 1 أيار 2018 إلى الإعلان عن ندمه على عدم تحالفه مع المعلوف. سريعاً، ذهب جعجع إلى تبنيه لا لشيء سوى طمعاً بأصواته وبغية الحصول على حاصل إضافي لا لإيصاله إلى النيابة. إلا أن المعلوف فاجأ الجميع عند فتح صناديق الاقتراع بالأصوات التي حصدها والتي أتت به نائباً من تلقاء نفسه، حتى أن الأمينة العامة (السابقة) في حزب القوات شانتال سركيس أعلنت عن فوز النائب جورج عقيص ومرشح القوات عن المقعد الأرمني (لم يفز) وتأخرت ساعات عدة قبيل الإعلان عن فوز المعلوف. ذلك رغم إيعاز القوات لمناصريها بعدم إعطائه أي صوت تفضيلي. وربما هذا الأمر تحديداً هو الذي أعطى للمعلوف دفعاً للحفاظ على استقلاليته لمعرفته المسبقة أن «حاصله الانتخابي» في جيبه. ولا قدرة فعلية للقوات على التأثير في القاعدة القواتية التي تناصر المعلوف رغم الحملة الممنهجة التي طاولته على وسائل التواصل يوم أمس والموجهة من الجيش الإلكتروني للحزب. وفي معركة النفط، ثمة من الزحليين القواتيين من يقفون مع المعلوف في ترحيبه بالمحروقات من أي جهة أتت على ما تشير مصادر مقربة من القوات، خصوصاً بعد سقوط أسطورة كهرباء 24/24 التي سوّق لها أسعد نكد لتتحوّل أخيراً إلى 6/24 بالكاد. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ورغم القطيعة ما بين ميريام سكاف والمعلوف، عمّمت الأخيرة على قاعدتها مساء أمس، بحسب المعلومات، للوقوف بجانب المعلوف «في وجه تعدّي القوات السافر على أولاد زحلة والتدخل في قراراتهم».

في المحصلة، وفي حال قرر سمير جعجع إخراج المعلوف من التكتل، يكون عدد نوابه قد انخفض من 15 نائباً إلى 13 بعد خروج النائب جان طالوزيان، والتخلي عن نائب زحلة الذي تجرّأ «حيث لا يجرؤ الآخرون». ويبدو أن معراب بدأت تعبيد الطريق لاستبدال المعلوف بمرشح آخر عن المقعد الأرثوذكسي، ويجري الحديث عن ثلاثة هم: الياس إسطفان والعميد السابق سامي نبهان وأسعد نكد مع ميول الميزان لناحية نكد. فهل تجري مبادلة المرشحين ما بين التيار والقوات، فينزح نكد من اللائحة العونية إلى القواتية والمعلوف من القوات إلى التيار؟