آمال خليل، محمد زناتي
تصدّرت الشاليهات والمسابح قائمة المنتجات التي يبحث عنها كثير من اللبنانيين في الصيف. سابقاً، كانت تنحصر الحجوزات في المنتجعات التي تجذب طبقات محددة. لكنّ جائحة كورونا فرضت سلوكيات جديدة حتى في الترفيه والنزهة، منها استئجار شاليه ومسبح خاص بالعائلة يوفر عدم الاختلاط واحتمال التقاط فيروسات من السباحة الجماعية من جهة، إلى ضمان الخصوصية من جهة أخرى. هذا الاستثمار السياحي الجديد من نوعه لاقى انتشاراً واسعاً بين فئات لم تكن تعمل في هذا المجال سابقاً. ومعظمهم لم يتوانوا عن تأجير منازلهم الثانوية أو حتى محلّ إقامتهم الدائم في الصيف بعد استحداث مسبح، مع توفير خدمات متنوعة من المنامة إلى السماح باستخدام محتويات المطبخ. حقّق هؤلاء أرباحاً طائلة، ما شجّع آخرين على الاستثمار في هذا المجال. لكن وعلى الطريقة اللبنانية بغياب الرقابة والشرطة السياحية، تحولت الشاليهات الخاصة إلى “حارة كل مين إيدو إلو”.
شاليه حومين الفوقا
منذ نحو أسبوعين، لم تهدأ الضجة التي أثارها خبر انتشر عن أحد الشاليهات في حومين الفوقا (قضاء النبطية) على مواقع التواصل الاجتماعي. على مدوّنة خاصة بنشر صور ومعلومات عن الأماكن السياحية في لبنان، نشر صاحب الشاليه سعيد شريم إعلاناً يشير فيه إلى أن بدل إيجاره لنحو 24 ساعة يبلغ 375 دولاراً. تحوّلت “التسعيرة” إلى مصدر وحي لمئات النكات التي ربطت بين المبلغ الخيالي وموقع الشاليه ومميزاته في بلدة نائية ومحرومة كحومين!
وتركّزت الانتقادات على أن “كلفة السفر للسياحة في تركيا لا تكلف هذا المبلغ”. شريم لم يتأثر سلباً بالحملة، أو لم يجد في آلاف التعليقات داعياً لتخفيض السعر. فالرجل الذي جنى ثروته من عالم الأعمال والإعلام بين أوروبا والخليج، يعتدّ ببلدته التي يجدها “أهم من جزيرة بالي في إندونيسيا”، مثلما يجد أن “خدمات الخمس نجوم التي يقدمها تستحق وأكثر”.
في حديثه لـ”الأخبار”، فنّد شريم التكاليف التي ينفقها على تشغيل الشاليه، في إطار تبرير التسعيرة التي وضعها. أول التكاليف “خصوصية المكان النائي عن الأحياء السكنية والطريق إليه تعفي الزائر من اجتياز بلدات عدة وتوصله مباشرة من أوتوستراد النبطية بأربع دقائق”. وهنا، يستطرد في الحديث عن غياب الدولة، لافتاً إلى أن المستثمر ينشئ بنفسه البنى التحتية، كما فعل هو باستحداث الطريق. “يحق لي أن آخذ ميكانيك من السيارات بدلاً من الدولة” قال. يدخل شريم في أصغر التفاصيل التي يقدّمها للزبون داخل الغرف من ثمن المناشف والشراشف والمخدات والشامبو والصابون وكلفة غسلها إلى تنظيف الغرف. “لديّ عاملتا نظافة إثيوبيتان راتب كلّ منهما 300 دولار في الشهر”. أما خارج الغرف، فيتحدث عن كلفة المازوت لتشغيل المولد بغياب كهرباء الدولة وضخّ المياه إلى المسبح من البئر الارتوازية ومعالجة مياه المسبح والعناية بالحديقة. يؤكد شريم أن زملاءه “في حال قدّموا الخدمات بجودة عالية، سوف يفرضون تسعيرات أعلى مني. أنا كمستثمر، يحقّ لي أن أنفق على التكاليف التشغيلية من جيب الزبون وليس مني لأنّي أريد أن أربح”.
لم تؤثر الحملة سلباً على شاليه حومين. “قبلها، كانت الحجوزات مقفلة حتى نهاية تموز. وبعدها زادت ليس بسبب الدعاية التي وفّرتها الحملة فقط. بل لأن الموسم قد بدأ”. تبريرات شريم لم يتقبّلها كثر في حومين نفسها التي تتشابه في الظروف الاقتصادية الصعبة بعد انهيار القيمة الشرائية لليرة. أريج شريم أكدت أنها لن تقصد شاليه بلدتها “لأن هناك أماكن بخدمات ومميزات طبيعية أهم وأرخص بكثير”. فضلاً عن أنها لن تتمكن من ذلك لأن إيجار الليلة الواحدة فيه “يعادل أربعة معاشات بالنسبة إلي”. في المقابل، يتفهّم صاحب الشاليه انتقاد أصحاب المداخيل بالليرة. “أنا أستهدف شرائح محدّدة في المجتمع. ومن يتصل ليحجز في هكذا أماكن، لا يسألنا عن السعر لأنه يدرك مسبقاً بأن كل شيء غالٍ”.
الحجوزات «مسكرة»
وإذا كان شريم يبرّر تسعيرته المرتفعة بتكاليف التشغيل، فإن شاليهات ومنتجعات أخرى في مناطق يقصدها السياح أكثر من حومين، حدّدت تسعيرات أقل بكثير. جولة “الأخبار” استهدفت نماذج في المناطق. وتبين أن أحد منتجعات إيعات (قضاء بعلبك) حدّد تسعيرة الشاليه بحسب حجمه وتوقيت الحجز بين أيام الأسبوع أو نهايته بما بين 65 و95 دولاراً ليوم كامل.
لم تؤثر الحملة سلباً على شاليه حومين فالحجوزات مقفلة لشهر كامل
أما أحد بيوت الضيافة في حدث الجبة (قضاء بشري) المشرف على وادي قنوبين، فقد حدّد تسعيرة الشاليه بحسب حجمه بـ70 دولاراً لليلة الأولى على أن تسعر الليالي اللاحقة بـ50 دولاراً كسعر تشجيعي. وتتضمن الخدمات جولة سياحية مع مرشد. وفي ميروبا (قضاء كسروان) يُراوح بدل إيجار الشاليه بين 95 و115 دولاراً ليوم كامل. وفي الخيام (قضاء مرجعيون) وصلت التسعيرة إلى أكثر من 350 دولاراً. فيما بلغ بدل إيجار شاليه في استراحة صور 415 دولاراً مع فطور. وفي محمية الأرز، يبلغ الإيجار نحو 50 دولاراً. وفي الطيبة (قضاء مرجعيون) يبدأ سعر الإيجار بـ175 دولاراً. وفي الشعيتية (قضاء صور)، يبلغ إيجار شاليه خاص ضمن بستان ما بين 80 و100 دولار لشهري أيار وحزيران وسيبلغ في تموز وآب ما بين 100 و120 دولاراً. وفيما تزدحم مواقع التواصل بانتقاد الأسعار، تزدحم الشاليهات نفسها بالحجوزات. وعلى صفحات معظمها، أعلنت إدارتها أن الحجوزات “مسكرة” حتى بداية أيلول المقبل ومنها حتى تشرين الأول.
الحقّ على المغتربين
مدينة صور حلّت في المرتبة الأولى من ناحية ارتفاع أسعار المطاعم والمنتجعات والشاليهات. ومن النكات التي انتشرت على مواقع التواصل “تراجع شاليه حومين إلى المرتبة الثانية أمام منتجع تيركواز جنوبي صور الذي سعّر بدل إيجار الشاليه ما بين 500 و700 دولار لليوم الواحد”. علماً بأن بدل استئجار غرفة في الفنادق الصغيرة في “حارة المسيحية” لا يقل عن 300 دولار لليلة الواحدة. فما سبب “الأسعار النار”؟. في حديث لـ”الأخبار” قال نائب رئيس بلدية صور إن “الشرطة السياحية التابعة لوزارة السياحة غائبة تماماً وكل صاحب مؤسسة يسعّر على ذوقه”. ولفت إلى أن البلديات عموماً لا صلاحية لها في ضبط الأسعار. أما عن سبب الغلاء في صور، فربطها صبراوي بنسبة المغتربين العالية من أبناء صور ومنطقتها الذين يضخّون سيولة كبيرة خلال أوقات تمضية إجازاتهم. “المغتربون خربوا السوق. وبات المستثمر يرفع الأسعار لأن المغترب ما بتفرق معه. وبتروح على المقيمين”.