تحدى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل زملاءه النواب بالتصويت لاقرار سلسلة الرتب والرواتب التي «ستمول من جيب المواطن من خلال فرض 22 ضريبة جديدة، وعدم المس بمنظومة الفساد والهدر (حسب قوله)، مشددا أن «المحاسبة آتية في الانتخابات والاوهام فضحت، وعلى الشعب ان يحاسب أداء الفساد».
هذا الكلام لا يجانب الحقيقة، بل يلامسها في الكثير من المواضع، خصوصا عند الحديث عن الفساد، ولا يوجد مواطن واحد ينفي وجود هذه الافة في مختلف مرافق الدولة، ينهش المال العام، ويشل الاقتصاد.
كما أن النائب الجميل مصيب في تشخيصه لاسباب العجز في المالية العامة خصوصا التهرب الضريبي الذي يتجاوز اربعة مليارات دولار سنويا، وازمة الكهرباء بكلفة مليار دولار سنويا (على أقل تقدير)، والكلفة الباهظة للنفايات (من دون حل حقيقي لمشكلتها)، وغيرها كثير ..
المشكلة ليست في التشخيص ولا في الشعار المرفوع للمعركة، اي بناء دولة ديموقراطية عصرية ودولة قانون، بل هي في من يخاطبهم النائب الجميل، اي النواب، وفي معرفة على اي اساس يصوتون، وهل يراعون مصالح ناخبيهم في الفئات الشعبية، أم أن ثمة اعتبارات أخرى تشغلهم.
النقاش الدائر حول قانون الانتخابات لا يوحي بان النواب مشغولون بالهم المعيشي للمواطن، وبكيف يكسبون ود الناخب، من خلال برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي، ينهض بالاقتصاد الوطني، وينهي العجز المالي، ويحقق، بالنتيجة، رخاء الناس .
المخاض الانتخابي استعدادا لاستحقاق الربيع المقبل يتمحور حول امور ثلاثة، تقسيم الدوائر في القانون الجديد، التحالفات في مواجهة الخصوم، والتنافس داخل لوائح الاحزاب والتيارات للفوز بالترشيح.
البحث في القانون ودوائره طائفي مذهبي، عناوينه من نوع «عدم عزل فئة»، او» تهميش احد المكونات»، او «مراعاة الجميع»، أو» يحظى بالتوافق»، ولا نسمع اي قوة سياسية تتطرق الى ما يجب ان تكون عليه الانتخابات، الخيارات السياسية والاقتصادية.
من جهة ثانية تتحكم باللعبة الانتخابية سياسة تصفية الحسابات والكيدية ونوايا العزل والاستيلاء المسبق على المقاعد النيابية، واذا سألت اي مواطن في اي شارع في اي منطقة من لبنان، عن قانون الانتخابات، سيجيبك حتما بعبارة: كل يفصل القانون على مقاسه.
داخل الاحزاب والتيارات والتنظيمات يدور صراع من نوع آخر، صامت احيانا، وصاخب في احيان اخرى، على أحقية كل مدع للفوز بترشيح الزعيم او الحزب، وتتنوع اسلحة المواجهة بين التملق وصلة القربى والعشائرية ودفتر الشيكات والاحصاءات او «الانتخابات» الداخلية، معطوفة كلها على استطلاعات رأي صارت تجارة رابحة.
هذه هي الاستعدادات الحزبية والشخصية للانتخابات، ولا احد مشغول بصحة السلسلة او الموازنة او مهموم بازمات الكهرباء والنفايات والطرقات … فعلى من تقرأ مزاميرك يا .. سامي.
النائب في لبنان، وفي الاصل، ليس شخصية مستقلة، بشكل عام، وانما هو جزء من كتلة تمثل جهة سياسية. والكتل النيابية معروفة توجهاتها مسبقا، فاذا وافق ممثلوها على سلسلة الرتب والرواتب في جلسة اللجان المشتركة، فهذا يعني انها ستقرها في الهيئة العامة. وهكذا في كل شان معيشي آخر.
لذلك لا يبقى على لائحة آمال الجميل الا المواطن الذي «يجب ان يتحمل مسؤوليته في الانتخابات ويحاسب نوابه على آدائهم». وكذلك «الرهان على النقابات والمجتمع المدني».
حزب الكتائب غير مؤهل لخوض هذه المعركة وقد حاول التصدي لاقامة مطمر نفايات في برج حمود وفشل لانه كان وحيدا، ولم يحظ بدعم المجتمع المدني، ولا بالتفاف شعبي. لعل السبب انه حزب يحاول الخروج من جلده التاريخي ليتحول من حزب السلطة الى حزب الشعب، وهذا ليس بالامر اليسير.
أيا يكن من أمر فان النائب الجميل محق وشجاع بطرح التحدي على نواب الامة الذين سيقررون اليوم خذلانه وخيانة مصالح ناخبيهم… والانتخابات قريبة، لعل وعسى.