الرئيس ميشال عون يطمئن اللبنانيين في مستهل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الى ما يمكن أن يسمّى تجاوز الاستثناء وتكريس القاعدة. فالخلاف الأخير الذي شلّ مجلس الوزراء وأعاد تجييش الشارع هو حالة استثنائية تمّت معالجتها من خلال الدستور والقوانين. والجميع مدعو الآن الى تفعيل مؤسساتنا الوطنية والارتكاز في عملنا على مرجعي الدستور والقوانين. وهذا بالطبع ما يريده كل لبناني لا خيار له سوى الدولة، ولا رهان له على أي قوّة خارج الدولة وعلى أي عمل سياسي واقتصادي واجتماعي خارج الدستور والقوانين.
لكن الواقع مملوء بالثغرات. ومن عادتنا أن ننتقل من التهويل الى التهوين بالقول بعد كل أزمة تعبر انها كانت غيمة صيف، بحيث تبدو غيوم الصيف في لبنان أكثر من غيوم الشتاء. والسؤال هو: متى نصل بالفعل الى حلّ كل أزمة ضمن المؤسسات من خلال الاحتكام الى الدستور والقوانين؟ والى متى تقود كل أزمة سياسية أو حتى شخصية الى شلّ المؤسسات وتعليق الدستور أو اعتباره وجهة نظر، ثم البحث عن تسوية سياسية وشخصية تتجسّد في محاصصة؟
ليس أمرا قليل الدلالات أن يكون بناء مشروع الدولة في رأس الشعارات والوعود المرتفعة في الموسم الانتخابي بعد ٧٥ سنة من الاستقلال. فما تكشّف على مدى عقود هو ان عمر الأزمات الباردة والحارّة، الوطنية والسياسية، الاقتصادية والاجتماعية، المحليّة والاقليمية كان أطول من عمر التسويات الوطنية والسياسية، المصنوعة بأيدينا والتي تدخّلت قوى اقليمية ودولية لانجازها في لقاءات خارج لبنان: من اتفاق الطائف الى اتفاق الدوحة وقبلهما وبعدها مداولات القاهرة ودمشق وباريس وواشنطن.
والمعنى البسيط لذلك ان مسار الأحداث يؤكد، مع الأسف، ان الأزمات هي القاعدة، والتسويات هي الاستثناء.
أليس المجتمع الدولي هو الذي يطالبنا باجراء اصلاحات مالية واقتصادية وسياسية ويبدو أكثر منّا حماسة لاجراء الانتخابات النيابية التي تأخّرنا خمس سنوات عن موعدها الدستوري؟ أين في الدستور والقوانين ما يغطي التعايش مع سلاح خارج الشرعية، وقراره مرتبط بمشروع أكبر من لبنان، لا فقط بالمعنى النظري أو الايديولوجي بل أيضا بالمعنى الميداني العملي؟ هل نسينا المرات الثلاث التي حدث فيها شغور رئاسي واحتكام الى الشارع بدل الدستور؟ وكم مرّة جرى امتحان التسوية السياسية التي جاءت بالعهد الحالي والحكومة بعد شهور طويلة من أزمة الشغور الرئاسي؟
التحدّي الكبير أمامنا، وسط تحديات كثيرة محلية واقليمية، هو أن تكون معالجة الخلاف الأخير بداية لمرحلة جديدة: أن تصبح التسويات والأوضاع الطبيعية هي القاعدة، والخلافات والأزمات هي الاستثناء.