بعد زهاء عامين ونصف العام، وبعد 45 جلسة لم يتأمّن فيها النصاب أو تعطّل بفعل مقاطعة كتلة التغيير والإصلاح بزعامة النائب ميشال عون، ونواب كتلة الوفاء للمقاومة والقومي والبعث وحلفائهم في قوى الثامن من آذار وفي المقدمة كتلة نواب تيّار المردة بزعامة النائب سليمان فرنجية، صار للبنان رئيس بأكثرية 83 صوتاً من أصل 127 نائباً، هو النائب ميشال عون نفسه، وأصبح فخامة رئيس الجمهورية.
وللمرّة الأولى في تاريخ الجمهورية، أُجريت العملية الانتخابية بثلاث جولات متتالية بدلاً من جولة واحدة أو جولتين، مما شكّل مفارقة يتندّر بها المواطنون اللبنانيين وأضفى على مشهدية جلسة انتخاب الرئيس جواً كوميدياً حمل رئيس مجلس النواب إلى وقف عملية نقل صندوقة الاقتراع إلى النواب المقترعين ووضعه تحت إشراف مباشر منه ومن رئيس الحكومة المستقيلة تمام سلام وفي حراسة عضوي هيئة مكتب المجلس تلافياً لتكرار المشهد نفسه.
الملاحظة الأولى التي سجّلت في هذا المشهد السياسي الأبرز في خطاب رئيس مجلس النواب نبيه برّي والذي اقترع هو وجميع نواب كتلته بورقة بيضاء لتسجيل اعتراضه على انتخاب عون رئيساً للجمهورية، توجهه إلى الرئيس المنتخب الذي لطالما كان يعتبر المجلس النيابي غير شرعي بفعل التمديد له مرتين بالقول يسرّني يا فخامة الرئيس أن أرحّب بكم تحت قبّة البرلمان الذي أنت أحد أركان شرعيته اليوم.
أما الملاحظة الثانية فكانت في خطاب القَسَمْ الذي جاء تقليدياً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فركّز على التطبيق الكامل لا المجتزأ لوثيقة الوفاق الوطني من دون أن يذكر بالنص إتفاق الطائف والالتزام بكل بنوده، كما هو الاتفاق بينه وبين زعيم تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري، كما خلا خطاب القَسَمْ من أي ذكر لسياسة النأي بالنفس أو الحياد بالنسبة إلى الصراعات العربية واكتفى بعبارة تحمل تفسيرات كثيرة ألا وهي ابتعاده عن الصراعات الخارجية والالتزام باحترام ميثاق الجامعة العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقي. فكيف يمكن أن يتعامل الرئيس سعد الحريري الموعود تكليفه وفق استشارات نيابية ملزمة تشكيل الحكومة، وهل يقبل بهذا النص الملتبس بديلاً عن نص صريح وواضح لجهة تحييد لبنان عن الصراعات العربية وتحديداً عن الصراع السوري – السوري، وماذا ستكون ردود فعله على هذا الأمر، في حال تمّ تكليفه وكيف يمكنه التوفيق في البيان الوزاري الذي ستتقدّم به حكومته إلى مجلس النواب في حال قيّض له أن ينجح في تأليفها ولم يصطدم بعراقيل يضعها في وجهه حزب الله مباشرة أو من خلال رئيس حركة أمل، كما يتردّد في الوسط الساسي منذ الآن، بين النص الذي جاء في خطاب القَسَمْ وبين ما تمّ الاتفاق عليه قبل الانتخاب. هذا بطبيعة الحال بالإضافة إلى تحديات أخرى أكثر تعقيداً ستواجه الرئيس الحريري في خلال رحلة التأليف أقلّها ما يتعلق بسلاح المقاومة ووجود حزب الله في سوريا بالإضافة إلى ما يُحكى عن تمسّك الحزب والرئيس المنتخب ببعض الحقائب الوزارية السيادية وغير السيادية إضافة إلى تمثيل كل الكتل النيابية عملاً بتطبيق مبدأ حكومة الوحدة الوطنية أو ما اتفق على تسميتها بحكومة كل لبنان بالنسبة إلى حكومة العهد الأولى.
قد لا تكون هذه الملاحظات التي أوردناها في هذه المقالة التحديات الوحيدة التي تواجه العهد قبل انطلاقته، في ظل التمايز العميق بين فخامة الرئيس وارتباطاته الداخلية وبين دولة الرئيس المفترض.