أميركا تكمل الخروج من الاتفاق النووي بتشديد العقوبات على ايران ضمن أخطر سياسة: الضرب على الجيوب. والجمهورية الاسلامية تنتقل من المكابرة في مواجهة التحدّي الأميركي الى الارتباك في مواجهة التحدّي الداخلي، وسط الاصطدام بالعجز الأوروبي عن الضمانات المطلوبة للابقاء على الاتفاق، وبداية اتهام روسيا بالطعن في الظهر في السياسات النفطية وفي سوريا. كانت بداية التحدّي الجديد أبعد من التظاهرات التي حدثت في أواخر العام الماضي وشملت ٨٠ مدينة وبلدة: اضراب في بازار طهران احتجاجا على الوضع الاقتصادي الصعب وانهيار سعر العملة المحلية بحيث وصل سعر الدولار الى تسعين ألف ريال.
ومن السهل قمع التظاهرات التي رافقت اضراب البازار بقوات مكافحة الشغب والغاز المسيل للدموع. لكن من الصعب تجاهل الأسباب التي دفعت التجار الى الاضراب من دون ان تكون له أبعاد سياسية. ومن المألوف اتهام الأعداء في الخارج بالتآمر وتحريك مأجورين، وبعض ذلك صحيح. لكن من المفارقات ان يتم الجمع بين المفاخرة بالنفوذ الاقليمي والدولي لايران التي تحكم أربع عواصم عربية وبين ردّ الأحداث الداخلية الى الأيدي الخارجية، كأن ليس في ايران مسألة داخلية. فضلا عن ان طهران تعرف لماذا امتنع الرئيس باراك أوباما عن دعم الانتفاضة الخضراء عام ٢٠٠٩، وتدرك ان قوة الوطنية الايرانية تجعل أي دعم أميركي وأوروبي لقوى في الداخل قبلة الموت.
وكما في الحكم الامبراطوري كذلك في الثورة الاسلامية: معادلة ثابتة يرى الخبراء في الشأن الايراني انها تختصر المشهد وتحصر اللعبة التقليدية بثلاثة مراكز هي الثكنة، والجامع، والبازار. كل تقارب بين اثنين يضعف الثالث. الشاه ضمن ولاء الثكنة والبازار فتمكن من تهميش الجامع. وحين التقى البازار والجامع على الشكوى من حكم الشاه وتأييد الإمام الخميني سقطت الثكنة وانتصرت الثورة الاسلامية. وليس في اضراب البازار ما يهدّد النظام الذي يتمتع بتأييد الجامع والبازار والثكنة بعد تجديد الجيش وانشاء الحرس الثوري.
لكن الوضع الاقتصادي الصعب يحتاج الى معالجات تتجاوز حتى ان تنكفئ طهران عن الانفاق على النفوذ الاقليمي والصواريخ بما هو أكبر من امكاناتها وما هو حاضر في دروس التجربة السوفياتية. وهذا لن يحصل. فالجمهورية الاسلامية من دون نفوذها الاقليمي تصبح مجرد باكستان أخرى. والعداء لأميركا هو من أسس الثورة كما يقول المرشد الأعلى علي خامنئي.
والمصاعب مرشحة للتصاعد في الخريف عندما تبدأ أميركا فرض عقوبات على من يشتري النفط الايراني. لكن مواجهة التحديات الداخلية أصعب من مواجهة التحديات الخارجية.
والسؤال الحائر هو: الى أي حدّ يمكن أن تستمر معادلة: نظام جامد ومجتمع متحرّك؟