IMLebanon

تحديات النأي بالنفس في مؤتمر الجامعة العربية

 

لم تعد العروبة مجرد وجهة نظر في لبنان الذي تخلّى عن صيغة الوجه العربي للبنان، وكرّس انتماءه العربي الأصيل دستوريا وحياتيا وكحقيقة ممتدة في التاريخ والجغرافيا والمجتمع. ومن ثوابت سياسة لبنان الخارجية التمسّك بعمقه العربي القومي، والحفاظ على علاقات مميّزة معه بما تفرضه أواصر الأخوة أولا، والمصالح المشتركة ثانيا في ظلّ الاحترام المتبادل والسيادة لكل من الدول الشقيقة. ومن ثوابت لبنان اقامة علاقات مع دول العالم كافة على أساس المواثيق الدولية، والتعاون البنّاء، ودائما في اطار السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية: لا التدخل الخارجي في الشأن اللبناني، ولا التدخل اللبناني في شؤون الآخرين الداخلية.

 

هذه السياسة الطوباوية تعثّرت دائما بسبب الصراعات الاقليمية في الشرق الأوسط، والصراعات الدولية على امتداد العالم، ودفع لبنان أثمانا غالية جدا بسبب حروب الآخرين على أرضه. ومما زاد الأمر تعقيدا ازدياد حدّة الخلافات بين الأشقاء العرب، وتفكك التضامن العربي في ما بينهم. وكان العامل الأهم في ضرب وحدة الأمة، غرس الكيان الصهيوني العدواني في أرض فلسطين، واتخاذه منصّة للسياسات الاستعمارية لبعض الدول العظمى والأعظم، وعلى رأسها الامبراطورية الأميركية. وتعثر لبنان في ممارسة سياسة الحياد والنأي بالنفس ليس لعلّة فيه، وانما بسبب مفاهيم الآخرين للحياد وللنأي بالنفس!

 

التركيبة اللبنانية ذاتها كانت من بين عوامل العرقلة. اضافة الى أن من يطلب أن يكون لبنان محايدا بين المحاور وصراعاتها في المنطقة والعالم، انما كان يريد ويعمل على أرض الواقع، وبمختلف الوسائل المتاحة، على ضمّ لبنان الى محوره، فيعادي أعداء هذا المحور، ويصادق أصدقاءه، بصرف النظر عن مصالح لبنان الوطنية، وحتى دون اعتبار لوحدة نسيجه الوطني. والتحدّي الذي يواجهه اليوم لبنان وجها لوجه هو في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأحد المقبل في القاهرة. ومن المصلحة الوطنية والقومية أن يحافظ لبنان على عمقه العربي وعلاقاته العربية، ولكن في اطار احترام الآخرين لسيادته ووحدته الوطنية.