ينقسم اللاجئون السوريون في ألمانيا إلى ثلاث فئات في رؤية علاقاتهم مع المجتمع الألماني؛ الفئة الأولى، بدأت في انخراط عميق بالمجتمع الألماني، وأغلب هؤلاء عائلات من أبناء المدن المتعلمين، تتوفر لهم قدرات أعلى على الاندماج والتفاعل الإيجابي مع المجتمع الألماني، والفئة الثانية عائلات هي خليط موزعة بين ذوي الأصول الريفية وحرفيي المدن، وهي في مرحلة انتقالية تتقاذفها مشاعر مختلطة ما بين رغبة الانخراط في المجتمع، وإحساس بأن وجودها في ألمانيا وجود مؤقت. والفئة الثالثة أغلبها من العازبين والأفراد بينهم متعلمون وأميون، عجزوا عن التوافق مع ظروف اللجوء بسبب صعوبة تعلم اللغة، واستحالة الانخراط في سوق العمل وفق القدرات المتوفرة، وغالبية هذه الفئة خيارها محسوم في عدم البقاء في ألمانيا، وهم بانتظار أول فرصة للمغادرة سواء إلى سوريا أو أي بديل متاح، المهم أن المنتمين لهذه الفئة لا يريدون البقاء في ألمانيا.
لقد ساءت ظروف السوريين في السنوات السبع الماضية سواء المقيمون منهم في سوريا أو خارجها. ففي الداخل قتلٌ واعتقال وتدمير للممتلكات والقدرات الفردية والجماعية، وفي بلدان اللجوء والإقامة صعوبات ومشكلات لا حصر لها، تمنع في غالبها استمرار حياة السوريين بالحدود الدنيا والمقبولة، وزاد من صعوبة الظروف عاملان؛ أولهما غياب أي أفق مفتوح للحل في سوريا، والثاني، فتح بوابات الهجرة واللجوء إلى بعض بلدان أوروبا وبينها السويد وألمانيا، وكلها كانت بين دوافع السوريين في التوجه نحو اللجوء.
وللحق فإن ألمانيا أبدت اهتماماً وترحيباً خاصاً باللاجئين السوريين، وسهلت وصولهم، ويسرت سبل منحهم الإقامة، بل هي استوعبت العدد الأكبر من اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا في السنوات الماضية إلى حد أن أعدادهم تقدر فيها بنحو ثمانمائة ألف شخص.
غير أن الهوى المتبادل بين السوريين وألمانيا سرعان ما ضربته رياح الوقائع. فأغلب القادمين اعتقدوا أن اللجوء حالة إنسانية بحتة، تقوم على المساعدة، فيما المستقبلون يرونها حاجة اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على الاندماج بكل ما يعنيه من التزامات مقابل اللجوء. كما أن الفارق الثقافي/ الاجتماعي بين الطرفين، جعل من عملية الاندماج أصعب من توقعات الألمان خاصة في ظل محدودية قدرات جهازهم الإداري والفني غير المهيأ لاستقبال أعداد ضخمة من اللاجئين، وقد أضيفت لهم أعداد أخرى وكبيرة من غير السوريين، الأمر الذي أعاق وأخّر تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، وشكل صدمة لهم، وخلف حالات إنسانية صعبة منها لم الشمل وتفاوت مدة الإقامة وصعوبات العمل، وجميعها ليس لها رؤية مشتركة عند الطرفين، وزاد من حدة المشكلة تصريحات وتحليلات وتقديرات، تتعلق بمستقبل اللاجئين السوريين في ألمانيا.
وسط تلك الوقائع، تبدو تحديات اللجوء السوري في ألمانيا قائمة. فمن جهة الألمان الذين صرفوا نحو خمسين مليار يورو على اللاجئين (نحو ثلثهم من السوريين) في السنوات الأخيرة، فإنهم لا يرغبون في رؤية جهودهم وأموالهم، دون نتائج مناسبة، خاصة أنهم لا يستطيعون إعادة اللاجئين السوريين من حيث قدموا ولا إلى بلدهم الذي تطحنه الحرب، وتستمر فيه المقتلة والتدمير، ولهذا لا بد لهم من سياسات وإجراءات، تتغلب على العوامل المعيقة لاستيعاب ظروف اللاجئين السوريين ومتطلباتهم.
ومن جهة السوريين، فإن خيارات خروجهم من ألمانيا باتجاه بلدان أخرى محدودة، وعودتهم إلى سوريا شديدة الصعوبة بفعل استمرار الأسباب، التي جعلتهم يغادرونها أصلاً، خاصة أن النظام تخلى عن أية مسؤوليات حيالهم، وهو غير راغب في عودتهم إليها، وبالتالي فإنه لا خيارات لديهم في التعامل مع وجودهم في ألمانيا إلا باعتباره أمراً واقعاً، حتى ولو فكروا في العودة إلى بلدهم عندما تضع الحرب أوزارها، أو يبدأ مسار الحل في سوريا.
غير أن التحدي الذي يواجهه السوريون في البقاء بألمانيا، لا يمكن معالجته دون جهود وسياسات ألمانية جديدة وعميقة، تجعل من قدرة السوريين هناك أفضل للبقاء في ألمانيا.