العالم شاشة عملاقة تمتدُّ من كوبا إلى بلجيكا، فيها نبش الماضي وفيها الدماء والدموع والضحايا. الولايات المتحدة منهمكة وأوروبا منشغلة، والشرق الأوسط يحترق، وروسيا تلملم نفسها وأفريقيا غارقة في فقرها، فأين نحن؟
نمارس ترف تعداد جلسات إنتخاب رئيس جديد للجمهورية: البعضُ من القادة يبذل الجهود المضنية فيما الآخرون كأنهم لا يبالون، فماذا تعني هذه اللامبالاة؟
بالتأكيد تعني أنهم إما أن يضعوا أيديهم على البلد أو أنَّهم يتركون للبلد أن يتدهور أكثر فأكثر، إنها قمة اللامبالاة والإستهتار علماً أنَّ البلد لا يحتمل مثل هذا الإستهتار وهذه اللامبالاة.
أمس كانت الجلسة السابعة والثلاثين لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية: مثُلها مثل أي جلسة سبقتها، فإلى متى سيبقى هذا الوضع على هذا المنوال؟
طالما أنَّ فريقاً يأسر رئاسة الجمهورية فلا رئاسة جمهورية، فلماذا اللف والدوران؟ ولماذا المحاولات تلو المحاولات من دون أية نتيجة؟
وطالما أنَّ الأمور ما زالت على ما هي عليه من موازين القوى فإنَّ الفراغ والشغور سيبقيان هما السائدين. ولكن في ظل هذه المراوحة، هل يمكن توقُّع غير الإهتراء؟
وعلى كل المستويات؟
اليوم، الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون في لبنان، وسيرافقه في هذه الزيارة رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ورئيس البنك الإسلامي للتنمية أحمد محمد علي. المُعلَن من الزيارة هو الإطلاع على أوضاع النازحين السوريين، ومحاولة استكشاف سبل دعمهم. ولكن مصادر مطلعة تقول ان العنوان الحقيقي هو ربط المساعدات للبنان بتنفيذ مشاريع لتوطين السوريين من خلال تشغيلهم واعتبارهم لاجئين لا نازحين وتثبيت بقائهم في لبنان، حتى لو انتهت الحرب في بلادهم. هذا الإصرار الدولي على هذه الخطوة يبدو أنَّ لا عودة عنه، فوفد البنك الدولي زار لبنان في الأيام الماضية، والتقى عدداً من رجال الأعمال اللبنانيين، أكد أنَّ القروض مشروطة بإقامة مشاريع تشغيل دائمة للنازحين السوريين.
أين لبنان من هذا الشرط؟ لم تعد الأمور مقنَّعة بل على عينك يا تاجر بمعنى: إما أن يبقى مليونا سوري في لبنان وإما لا مساعدات، تماماً كما في السابق: إما أن يبقى نصف مليون فلسطيني في لبنان وإما لا مساعدات.
هكذا يبتزنا الغرب، مساعدات في مقابل توطين، فهل يُدرِك السياسيون عندنا هذه الحقائق؟ بماذا هُم متلهُّون؟ وإلى متى سيبقى هذا التلهي؟
وغداً ستأتي تحديات جديدة وأثقال جديدة وإشكاليات جديدة غير النازحين الذين سيتحوَّلون إلى لاجئين، فكيف سيواجه لبنان؟
هل بالشغور والفراغ؟
مؤسف.