بعد الإنتهاء من جلجلة تأليف الحكومة، باتت الأنظار تتجه إلى الإنتخابات النيابية التي تعتبر من أصعب الدورات الإنتخابية هذه المرّة.
كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حازماً عندما أعلن بعد نجاحه بالتأليف بأنه حريص على إجراء الإنتخابات النيابية والبلدية والإختيارية في موعدها، ومع تنامي الضغط الدولي في هذا الإتجاه، فان كل القوى إنصرفت إلى التحضير للمعركة المرتقبة.
ويكتسب قضاء البترون أهمية إستثنائية، فهو من الأقضية المارونية الصعبة تاريخياً ويشكّل مع أقضية الكورة وزغرتا وبشري أكبر دائرة إنتخابية، ويتأثر بحسابات دقيقة تتوزّع بين الجرد ذي الثقل الإنتخابي، والوسط المُحزّب إلى درجة كبيرة، والساحل الذي يتأثّر عادةً بالرياح السياسية التي تهبّ من جبل لبنان.
ويوجد ثلاث قوى أساسية في هذا القضاء هم “القوات” و”التيار الوطني الحرّ” والنائب السابق بطرس حرب، ويبلغ عدد الناخبين فيه نحو 65 ألف ناخب بأغلبية مارونية ساحقة مع وجود ناخبين أرثوذكس يليهم السنّة من ثمّ الشيعة، وتحاول القوى والأحزاب المسيحية الحفاظ على موطئ قدم في هذا القضاء الذي يربط الشمال بجبل لبنان.
ومن بين هذه القوى الأساسية يبرز رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل الذي يخوض معركة حياة أو موت، فاذا رسب في البترون التي أسقطته في دورتي 2005 و2009 فانه يتلقى ضربة قد تكون أصعب من ضربة العقوبات الأميركية، وحتى الساعة فان باسيل بلا حليف جديّ في القضاء وأصلاً لا يرغب بذلك لأنه يريد الحصول على كلّ الأصوات التفضيلية التي تقترع للائحة “التيار”.
وإذا كانت معظم الإحصاءات تشير إلى حفاظ كل من “القوات اللبنانية” والنائب السابق بطرس حرب على حجمهما مع تراجع أو تقدّم حسب المواقف والمواقع، فان على كتف باسيل “حمّالة” هي عديله النائب العميد شامل روكز.
ويعتبر روكز من الشخصيات المحبوبة تنورياً وبترونياً، فهو قريب من آل حرب في تنورين والمنطقة والذين يشكلون أكبر العائلات المارونية الناخبة، وقادر من جهة ثانية على التأثير داخل عائلته، أي آل مراد، وحتى بقية العائلات، علماً أن عائلته كانت تمنح اصواتها بأكثرية ساحقة لباسيل.
وفي السياق، فان دخول روكز إلى اللعبة الإنتخابية في البترون سيخربط الأوراق ويشكّل ضربة قوية لنفوذ باسيل في جرد البترون، من هنا فان باسيل يخوض حرباً شرسة على روكز في كسروان، وهناك أخبار كثيرة تتوارد بأن لا أمل لروكز بالفوز بسبب عدم مدّه بالأصوات التفضيلية من “التيار” وبسبب تواجد قوى مسيحية ستخوض معركة حياة أو موت في عاصمة الموارنة كسروان، لذلك سينقل ترشيحه إلى مسقط رأسه البترون.
ويبدو روكز قليل الكلام في هذه المرحلة، وهو لن يدخل في لعبة حرق الأعصاب، وكان قد أعلن سابقاً وعبر “نداء الوطن” أنه مرشّح في كسروان ولا يزال ثابتاً على هذا الموقف، لكنه لن يخضع للعبة الإبتزاز، فاذا كان باسيل “يحرتق” عليه كسروانياً، فانه قادر على إشعال الأرض تحت أقدام باسيل بترونياً.
وتكثر الخيارات أمام روكز، فاذا كان حسم ترشيحه كسروانياً، فانه يفتّش عن مرشح من منطقة تنورين والجرد قادر على سحب الأصوات من لائحة باسيل وقوى أخرى، كما أنّه سيذهب نحو تأليف لائحة من مرشح في الجرد والوسط أو الساحل تحت شعار المجتمع المدني، لأنه يعرف ان الناقمين على “التيار الوطني الحرّ” قد لا يذهبون إلى القوى المسيحية الأخرى مثل “القوات” و”الكتائب” وحرب، لذلك فمن السهل جمعهم تحت إطار لائحة جديدة.
لن تكون معركة البترون سهلة أمام باسيل، خصوصاً إذا نجح روكز بترشيح أحد الفاعليات في تنورين، علماً أن باسيل نال في الدورة الأخيرة نحو 1700 صوت تفضيلي في تنورين وحدها، وقد ينخفض هذا الرقم إلى النصف وأكثر.