يؤكّد النائب العميد المتقاعد شامل روكز «حصول فشل أمني في إدارة التظاهرات في طرابلس أخيراً، إذ كان يُمكن منع المجموعات المعتدية من الدخول الى مراكز إدارات الدولة وإحراقها». كذلك يرى وفقاً لخبرته العسكرية، خصوصاً في منطقة الشمال، أنّ «المجموعات المعتدية والتي ألقت القنابل، معلومة لدى الأجهزة الأمنية، وأنّ بعض السياسيين وجزءاً من الأجهزة، قد يكون وراء ما حصل». وعلى الصعيد الحكومي، يؤكّد روكز أنّ «المعنيين جميعاً ومهما كانت مراتبهم، أضعف وأعجز عن اتخاذ قرار التأليف، وأنّ القرار على طاولة في الخارج»، معتبراً أنّ «الثنائي الشيعي» فتح الباب للوصول الى هذه اللحظة.
في قراءة سياسية – أمنية للأحداث التي حصلت في طرابلس في الأيام الأخيرة وأدّت الى مقتل أحد المتظاهرين وسقوط عدد من الجرحى في صفوف المتظاهرين والقوى الأمنية، فضلاً عن إحراق القصر البلدي والقاء قنابل حارقة على السراي، والاعتداء على أملاك خاصة وعامة، يقول روكز لـ»الجمهورية»: «هناك وضع اجتماعي سيئ جداً في طرابلس. هناك فقر غير طبيعي، وسابقة لجهة إهمال الدولة ومؤسساتها للمنطقة بنحوٍ لافت ومؤذ لطرابلس خصوصاً والشمال عموماً. وأتى الإقفال العام دون أي مساعدات، ليُشكّل العامل المفجّر لهذا الوضع، في حين كان يجدر بمن يفكرون الآن بتوزيع المساعدات المالية أن يوزّعوها تزامناً مع الإقفال».
ويوضح روكز، أنّه «حين يوجد هذا البؤس والفقر والعوز، يُفتح المجال أمام الجميع للدخول الى المنطقة واستغلال الوضع، بحيث أنّ كلّ من لديه مَوّالاً، إن كان سياسياً أو أمنياً أو اجتماعياً أو استفزازياً، يُمكنه أن يغنّيه في هذه المنطقة، حيث يكون لكلامه وتحريضه وقع لدى الناس المحتاجين واليائسين من هذا الوضع المزري».
لذلك، يرى روكز أنّه «تمّ استغلال هذا الواقع، وشهدنا في الأيام الأخيرة في طرابلس، عنفاً أمنياً في ضبط الوضع حيناً، واسترخاء في ضبطه أحيانا». ويعتبر أنّ المسؤولية عن هذه الاعتداءات «تترتّب على الجميع، فالثوار الحقيقيون ضدّ ما حصل، ولن يدمّروا مدينتهم، وإنّ الفوضى التي تحصل هي التي تعطّل الثورة، فعمل كهذا يؤدي الى ردّات فعل سلبية لدى أهالي طرابلس». وبالتالي، «هناك شكوك وأسئلة عمّن يغذي هذه الفوضى والاعتداءات، لكي يستثير ردة فعل سلبية من أهالي طرابلس تجاه ثورة محقة، فهناك أشخاص يعيشون وضعاً مأسوياً ولا يملكون شيئاً ويعبرّون عن غضبهم وسخطهم، فيما يأتي من يستغلّ ذلك لتحويل مسار الأمور ووضع المسؤولية على الشعب المقهور الذي ينتفض ويثور».
أمّا عن الجهات التي تقف وراء ما حصل، بعد المواقف المؤكّدة أنّ هناك أهدافاً سياسية خلف هذا التوتير، يقول روكز: «يدخل في هذه اللعبة قسم من السياسيين والأجهزة، تماماً مثلما حصل خلال معارك جبل محسن ـ التبانة في طرابلس، والتي استمرّت لسنوات، إن لمصلحة سياسيين أو لمصالح رئاسية».
ولا يبرّئ روكز أحداً ممّا حصل، خصوصاً «أنّ الذين عمدوا الى حرق مركز البلدية ورمي القنابل، تعرفهم الأجهزة الأمنية وتعلم أدق التفاصيل عنهم، فهؤلاء ليسوا أناساً عاديين بل هم محترفون ويعرفون كيف ينفذون هذه اللعبة». ويشير الى أنّ «لكلّ ظرف وحادث مصلحته، وستظهر هذه المصلحة لاحقاً». ويرى أنّ «هناك سياسيين لديهم مصالح في التوتير الأمني في أمكنة معينة، في إطار عملية تأليف الحكومة وفي ظلّ ظروف صعبة في المنطقة، ولاستنهاض الناس لمواجهة بعض السياسيين لإضعاف وزنه، كذلك هناك اعتبارات عدة أمنية وسياسية». ويركّز على أنّ «افتعال أحداث كهذه في طرابلس يختلف عن أي منطقة لبنانية أخرى، فلطرابلس حساسية معينة، وإنّ من بدأ افتعال أحداث كهذه في المدينة يهدف الى إضفاء طابع الإرهاب عليها، في وقتٍ أنّ مجموعات صغيرة تقوم بهذه الأحداث، مقابل شعب بكامله يعاني».
وعن قول مسؤولين في تيار «المستقبل»، إنّ عهد الرئيس ميشال عون يقف خلف هذه الأحداث في طرابلس، للضغط على الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، في مقابل اتهامات أخرى تطاول الحريري أو تتهم شقيقه بهاء الحريري بهذا التوتير، يقول روكز: «إنّ نظريات الضغط منطقية، لكن لجهة الاتهامات، يمكنهم جميعاً أن يحملوها، فكلّ منهم لديه ما يكفي منها لحمله، والضغوط يمارسها الجميع. لكن لا يُمكن أن تُتهم معاناة الناس بالضغط السياسي. فهناك حقيقة موجودة وهي الفقر، ولا يُمكن التقليل من هذه المشكلة الموجودة في طرابلس».
وإذ يذكّر روكز أنّ «الدولة، خلال الأحداث الأمنية السابقة التي جرت في طرابلس وانتهت بين عامي 2014 ـ 2015، كانت تصرف مئات الملايين من الدولارات لإنماء طرابلس»، يسأل: «أين ذهبت هذه الأموال وماذا فعلوا بها؟ كذلك ماذا وصل من المساعدات الهائلة التي تأتي الآن من الخارج الى ابن طرابلس، سواء من مواد غذائية أو مستشفيات ميدانية؟ وماذا فعلت الدولة لإراحة الناس الذين يَكفرون بصحتهم وينزلون الى الشارع على رغم خطر فيروس «كورونا» لأنّهم يائسون؟». ويؤكّد أنّ «ليس الغريب انتفاض طرابلس، بل عدم انتفاض لبنان كلّه، بعد أن حوّلوا لبنان مستشفى الشرق وجامعته، بلداً تهرب منه الأدمغة والقدرات الاستشفائية والعلمية وتهاجر منه الطاقات الشبابية». ويسأل: «ماذا يفعلون غير أنّهم يضغطون لتأليف حكومة ، كلّ وفق معاييره، ألا يوجد معيار وطني لتأليف حكومة في الحدّ الأدنى، بل معايير فئوية فقط؟».
وعن اتهام الحريري للجيش اللبناني بأنّه وقف متفرجاً على إحراق السراي والبلدية والمنشآت في طرابلس، يقول روكز: «هناك تقصير للأجهزة، فلا يجب أن تتمكّن المجموعات المعتدية من الدخول الى السراي أو الى مركز البلدية، لأنّها مجموعات صغيرة، وكان يُمكن منعها، خصوصاً أنّ هناك وجوداً كبيراً للقوى العسكرية والأمنية في طرابلس. وهناك خلطة مسؤولية، بين الجو والمسؤولية الأمنية. وحصل فشل أمني في طرابلس خلال هذه الأحداث، فلم يكن هناك أعداد ضخمة من المتظاهرين في الشارع».
أمّا على صعيد التأخير في تأليف الحكومة، فيقول روكز: «على رغم تحكُّم الزعماء في لبنان، هم أضعف وأعجز عن أن يتخذوا قراراً صغيراً بتأليف الحكومة، مهما كانوا ومهما كانت مراتبهم، فالموضوع خارج عن إرادتهم، وهم أوراق على طاولة، وحين يأتي وقت البحث في هذه الأوراق، تؤلّف الحكومة خلال 24 ساعة، وهذا ربّما على طاولة المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية التي لم تبدأ بعد». ويرى أنّه «مخطئ من يعتقد أنّ التأليف محصور بين عون والحريري». ويسأل: «لماذا تمسّك «الثنائي الشيعي» بوزارة المال ولم يقبل إلّا بأن يُسمّي الوزراء الشيعة؟». ويضيف: «لكي يتحجج الأفرقاء الآخرون بذلك ويطالبون بتسمية وزراء بدورهم، فيصلون جميعاً الى هذه اللحظة». ويؤكّد أنّ «القرار ليس في يد أحد، ولا حتى «الثنائي الشيعي»، بل في الخارج».
وبالنسبة الى ثورة اللبنانيين، يقول روكز: «الذين يراهنون على أنّ الفقر كلّما زاد ستتأجج الثورة مُخطئون، فالفقر لا يصنع ثورة بل الوعي، وعملُنا الآن مُركّز على توعية الناس على حقوقهم ومصالحم ومستقبلهم، ومستمرّون مع الثورة الحقيقية النظيفة، بعيداً من الإرتهان الى الأجندات الخارجية».