بالتأكيد لم تعد المسألة هل تُقدِم حكومة تمام سلام على تعيين قائد جيش جديد ام تتلكأ عن التعيينات فاسحة المجال أمام تأجيل تسريح ثان للعماد جان قهوجي، بل ماذا سيفعل ميشال عون حين يصبح التمديد لقائد الجيش لسنتين كاملتين أمراً واقعاً تُرفع له الكؤوس في معظم المقار السياسية!
بغضّ النظر عن ردّات الفعل «العونية» وتأثيراتها. عن المدى الذي سيذهب اليه «حزب الله» في دعم عون في إحدى أهم معاركه. عن «التوليفة» التي سيخرج بها المتضرّرون لتأمين عبور «مراسيم الضرورة» عبر الخط العسكري ومن وراء ظهر الناقمين. عن تداعيات استدعاء شارع تستفزّه اليوم أكثر غرامات السير المرتفعة… بغضّ النظر عن كل ذلك، ثمّة في سرّه من يقول «وداعا شامل روكز». ليس تشفّيا لكن تسليما بالكثير من الوقائع التي ظلمت روكز، وغيره أيضا من كبار الضباط الموارنة.
ستكون قمّة المفارقات أن تأتي «الشهادة» الاكثر واقعية في شامل روكز من المقلب الآخر. في إحدى إطلالاته التلفزيونية قال وزير الداخلية نهاد المشنوق ما مفاده «العميد شامل روكز ليس منهم (التيار الوطني الحر). انا لا أعتبره حزبياً. لكنهم يتصرّفون على هذا الاساس»!
عمليا، لم يتكّلم المشنوق خارج السياق بل في صلبه. وزير الداخلية، كما العديد من القوى السياسية المقرّرة والخبيرة في شؤون البيت العوني، يملكون «داتا» واضحة عن المسافة التي تفصل الضابط المغوار عن «غرفة عمليات» الرابية و «قادتها» الطارئين على «الخميرة» العونية. حقيقة يعرفها الابعدون قبل الاقربين.
لكن هؤلاء أنفسهم يصفّقون لـ «خطيئة» عون في أسلوب مقاربته لطرح اسم شامل روكز لقيادة الجيش، ليس احتفاء بوضع حدّ قريب للتداول باسم ضابط يعلمون انه لا يتنفّس إلا «عسكراً» ويملك المؤهّلات اللازمة ليكون من ضمن لائحة أهمّ المرشحين لقيادة الجيش، بل ابتهاجا برؤية ميشال عون يخسر معركة أخرى!
سيكون غريبا على السمع المجاهرة بأن شامل روكز لا يلتقي بميشال عون إلا في حلقات عائلية ضيقة، ولم يلتق بالوزير جبران باسيل منذ مدّة طويلة. صحيح انه من سكّان الرابية والامتار القليلة الفاصلة عن منزل «الجنرال» يفترض ان تسمح بهامش واسع من التداول بشؤون الساعة وتطوّراتها، لكن الامر ليس كذلك.
هو يفضّل هواء اللقلوق النقي في «الويك اند»، ولم يُدخِل نفسَه يوما في دائرة الملتصقين بميشال عون تزلّفا او «تبييضا» او لمصلحة او حتّى لـ «تنويره» ببعض النظريات السياسية والعسكرية والجيوستراتجية!
هذه «الحالة» ليست طارئة على أجندة قائد فوج المغاوير، فشامل روكز لطالما رسم خطّا فاصلا بين موقعه في المؤسّسة و «المقرّ العام» لرئيس «تكتل التغيير والاصلاح» حيث تحاك مشاريع المواجهة والتحالفات الصعبة.
لكن هذا لا يعني ان شامل روكز في حالة انفصام مع الواقع السياسي. في الآونة الاخيرة، ومن ضمن قواعد لعبة هو عمليا كعسكري الاكثر تقصيرا في مجاراتها، توسّعت مروحة لقاءاته السياسية والتي بعضها كان يحصل للمرة الاولى كما اجتماعه وجها لوجه مع الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري خلال الزيارة التي قام بها الاخير الى لبنان.
الجلسة مع الرئيس بري كانت أكثر من ودّية ولم يحكمها سوى التحفّظ في الكلام الذي يمارسه روكز مع جميع من يلتقيهم. ولأن الماء تكاد تنفجر من فم «الاستاذ» فقد وجد الفرصة مناسبة لـ «النق» على جبران باسيل وعلى أسلوب الرابية في مقاربة العديد من القضايا.. الجلسة مع الرئيس الحريري كانت سلِسة ايضا لكنها اخذت منحى آخر تماما حيث كان الحديث عن الجيش محورها الاساسي.
قد يكون الترويج غير المدروس من الجانب العوني لبروفيل شامل روكز أحد أكثر نقاط الضعف في تسويق اسم الضابط المغوار، إضافة الى شعور فئة من العونيين بأن ثمّة من «يشتغل» من داخل البيت البرتقالي لـ«يحرق» روكز وليس ليزكّيه في اليرزة، او حتى لـ«يتاجر به» كرمى لصفقة الرئاسة.
الخبثاء يقولونها كما هي «في اللحظة التي سيمدّد فيها لجان قهوجي سيكون أمام روكز بضعة أسابيع فقط قبل إحالته الى التقاعد في 15 تشرين الاول. لكن قبل ان يخرج من مقرّ فوج المغاوير في رومية سيشهد من بعيد على انتخابات التيار الوطني الحر في منتصف ايلول والتي قد تأتي على الارجح بباسيل رئيسا!».
وفي مقابل هذه الصورة ثمّة من يرسم خريطة لوقائع يستحيل تجاهلها. قبل انتخاب رئيس للجمهورية لا قائد جيش جديدا. التمديد للواء ابراهيم بصبوص كان رسالة بالغة الوضوح وقاسية حيث ان وزير الداخلية نهاد المشنوق، خلال لقائه الاخير بعون قبل توقيع القرار، أكّد له استحالة التمديد ثلاثة أشهر للمدير العام لقوى الامن الداخلي حفاظا على استقرار وهيبة المؤسسة، لكنه لم يشر له إطلاقا الى مدّة السنتين.
يكفي أيضا رصد الجسر الحديدي الممتدّ من عين التينة الى كليمنصو الى السادات تاور وصولا الى مقرّ الرئيس الحريري في السعودية، وتصرّف خصوم عون بالتكافل والتضامن مع الرئيس بري على قاعدة إنقاذ الحكومة من «التعطيل» مع إدارة الاذن الطرشاء لمطالب عون.
ينقل بعض من يلتقي الضابط المغوار كلاما مقتضبا مفاده «أنا لا أقبل أن آتي الى قيادة الجيش كخيار من جهة حزبية. حيثيتي أستمدّها من الناس ومن قرار تتشارك به كل القوى السياسية ويكون انعكاسا لخيار هؤلاء الناس وقناعة بمسيرتي العسكرية الطويلة والتزامي الصارم بتوجّهات المؤسسة ومناقبيتي، وإلا… فلا أريدها».