ليس مفاجئاً أن تذمّ المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بالرئيس السوري السابق بشار الأسد وأن تحمّله مسؤولية الـ»دياسبورا» السورية وانفلاشها في قلب أوروبا. لكن أن تقول ذلك في وجه «صديقها العزيز» باراك أوباما، فهذا يعني في ما يعنيه، ذمّاً وإدانة للسياسة التي اعتمدها هذا المخلوق إزاء تلك النكبة وتحطيماً لدرعه «الأخلاقي» وعلكه بالقيم الحرّة وادعاءاته التي خدعت الجميع وأوصلت جائزة «نوبل» للسلام إليه!
وعدا عن ذلك، هناك هدف آخر لسهم السيدة المستشارة: إذا كانت سياسة أوباما أنتجت هذا الكمّ من الكوارث والبلايا والتحديات، فإن سياسة خلفه دونالد ترامب، المعلنة في الحملة الانتخابية، يُفترض أن لا تذهب بعيداً في شططها وإلى حد قبول أوراق اعتماد الطاغية السوري في نادي محاربي الإرهاب الداعشي! أو الإيحاء له بأن إرهابه أقل وطأة لأن هويته مختلفة! أو لأن عنوانه ليس إسلامي المنحى!
والواقع أن الألمان كانوا الأقل تعبيراً عن المواقف الحادة إزاء النكبة السورية في الإجمال، ومسؤولية الأسد وأتباعه والمدافعين عنه في الخصوص، لكن أجراس مواقف ترامب أخذت ترنّ بصخب في كل مكان، خصوصاً في مكانين محوريين هما أوروبا من جهة والمنطقة العربية والإسلامية من جهة ثانية.
ولذلك تبعات، حتى لو كان الكلام لا يزال كلاماً! وألمانيا في أوروبا، تبقى الدولة الرائدة (والقائدة) تبعاً لوزنها الاقتصادي ولحساسية وضعها الاجتماعي إزاء إحياء أو إنعاش التوجهات العُصابية العنصرية، ثم تبعاً لكونها الأكثر تأثراً بالموجة الأخيرة من الهجرة السورية (وغير السورية) إليها.. عدا عن كونها الأكثر عرضة (في الجغرافيا والاقتصاد) لأي خلل على مستوى العلاقات الغربية (والأميركية) مع الروس، قد يفهم منه فلاديمير بوتين تشجيعاً له على الذهاب بعيداً في محاولة ترجمة طموحاته، أكان في البلطيق أو في دول أوروبا الشرقية، بعد الشرق الأوسط (وسوريا خصوصاً!).
والواضح أن ميركل تخاطب أوباما وعينها على ترامب. وإذا كانت سوريا عنوان الخطاب، فإن العلاقات مع الروس هي مضمونه الفعلي، خصوصاً وأن مواقف الرئيس المنتخب عبّرت عن انقلاب جذري (نظرياً حتى الآن!) في المفاهيم والسياسات التي اعتمدها الغرب عموماً على مدى التاريخ الحديث (منذ مطلع الربع الأول للقرن العشرين إلى اليوم) في مواجهة «المسألة الروسية»، والتي لم تتغير برغم حدث دولي هائل تمثل بسقوط المعسكر الاشتراكي برمته تحت أقدام الليبرالية الغربية وانتهاء الحرب الباردة.
التلويح بإعادة النظر في منظومة «الناتو» مثلاً هو أحد تصدّعات الزلزال الذي أحدثه فوز ترامب.. لكن ما لا يقل خطورة عن ذلك، هو أن يخرج من يفترض أن يكون «زعيم العالم الحر» للإشادة بخصال زعيم روسي آتٍ من مخزون الإمبراطورية السوفياتية البائدة، بل من صلب مخزونها الأمني الرهيب المتمثل بجهاز الـ»كي.جي.بي».. أي من خلفية سلطوية وفكرية لا تقدم أي علامات تقدير واحترام لكل قيم الديموقراطية الحديثة والحقوق البديهية التي تضمنها بدءاً بالحرية في كل عناوينها السياسية والتجارية والاقتصادية والمالية والفنية والتنقلية.. إلخ.
تقول ميركل ما يقوله الأوروبيون في الإجمال، وما يقوله كل عاقل في هذا العالم. وجيد أن تكون نكبة سوريا هي عنوان قولها، لأن هذه النكبة في الأساس هي عنوان الربع الأول للألفية الثالثة، وأبرز مثال على مدى تأثير السياسات الأميركية في مصائر دول وشعوب هذه المعمورة.