Site icon IMLebanon

عن “تغيير وجه لبنان”!

 

 

سرت مقولة “تغيير وجه لبنان” بشكل مُوسّع في الأدبيات السياسية اللبنانية، خلال الأسابيع القليلة المُنصرمة، وهي عكست مخاوف حقيقية لدى قوى لبنانية عدّة من سقوط لبنان (في ذكرى مئويته الأولى)، والتحاقه بمحاور وبلدانٍ تسير في اتجاهات مُعاكسة للتاريخ، ولا تتلاءم طبيعة سياساتها مع “التركيبة اللبنانية”.

 

لقد نالت هذه “التركيبة اللبنانية” نصيبها من القصف الكلامي (وغير الكلامي) والشتم والتصويب عليها، من زاوية نظامها الطائفي المذهبي، الذي يُميّز بين اللبنانيين ويُفرّقهم بحسب انتماءاتهم وبطاقة هويتهم. كما نالت نصيبها من الاتّهامات بالفشل وعدم تطوير وضع البلاد والتقدّم بها إلى الأمام. ولعلّ في كلّ ذلك شيئاً من الصحّة.

 

عندما يرِد الحديث عن رفض تغيير وجه لبنان، فإنّه لا يعني التمسّك بالنظام الطائفي والمذهبي الذي يستغلّه البعض، من خلال تطبيق سياسات شعبوية فئوية رخيصة، عند كل منعطف وفي كل محطة، ولا يعني القبول بالتفاوت الإجتماعي والإنمائي بين الفئات والمناطق اللبنانية (وقد جعلتها الأزمة الأخيرة تتساوى في الفقر والحرمان والذل).

 

إنما المقصود، رفض إسقاط التعددية والتنوّع، والحفاظ على الحريات السياسية والحريات العامة وحرية الصحافة والإعلام (وقد بقي لبنان، بالرغم من كل عثراته وهفواته وضعفه، موقعاً مُتقدّماً لحرية التعبير عن الرأي التي تُمس اليوم بأشكال مختلفة وأنماط متعددة)، وبالحفاظ على الجامعات الخاصة العريقة، كالجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة اليسوعية، وسواهما من مؤسسات التعليم الخاص المدرسي والجامعي، التي شكلّت مساحة حرّة للتفاعل والبحث الأكاديمي والعلمي وتنمية الفكر النقدي المُتحرّر، مُقابل القوالب الجامدة التي كانت الأنظمة التسلطية العربية تُخرّجها من معاهدها وجامعاتها.

 

المقصود الحفاظ على حريّة الكتابة والتأليف والنشر بدل إصدار كتاب رسمي (أسوةً بالكتاب الأخضر الذي صدر في ليبيا سنة 1975 على سبيل المثال وجعله الكتاب الأول في الجماهيرية)، والحفاظ على المسرح والسينما والموسيقى وأندية النقاش الأدبي والسياسي والثقافي ومعارض الكتب وتواقيع الإصدارات الجديدة.

 

المقصود أن تكون ثمّة مساحة للجميع، للمُتديّن أن يُصلّي وِفق طقوسه، وللعلماني أن يُناضل في سبيل الدولة المدنية، وأن تعود البلاد إلى ما كانت عليه، من موقع ثقافي فكري حضاري يعكس نفسه في المهرجانات الدولية والمؤتمرات والندوات العلمية، وما إلى ذلك من حركة لا تهدأ.

 

لقد أدّت حالة المراوحة الحكومية القائمة على التردّد وغياب القُدرة على اتّخاذ القرارات السياسية والإصلاحية المطلوبة، إلى الإفقار الجماعي للبنانيين، وإلى خفض سقف طموحاتهم لتأمين المأكل والملبس، وما إلى ذلك من الحاجات البديهية للعيش الكريم.

 

إن إشتراك الحكومة، عن قصد أو غير قصد، في تنفيذ هذا المخطّط الجهنمي، يضع البلاد أمام مخاطر وجودية حقيقية، وأمام تحدّيات تتطلّب من كل القوى الحيّة النِضال في سبيل حماية الديموقراطية اللبنانية والتعدّدية والتنوّع والحرّيات العامة والخاصة. كما أن المحاولات الحثيثة لتغيير وجه لبنان، تنطوي على مشاريع جهنميّة تريد الدفع بالبلاد نحو مواقع تتناقض مع تاريخها وتراثها، ومواقع مُظلمة مُنغلقة على ذاتها ومُنعزلة عن العالم، تتراجع بثبات إلى الخلف، في الوقت الذي يتحرّك فيه العالم خطواتٍ إلى الأمام.

 

ختاماً، النضال في سبيل لقمة العيش لا ينفصل عن النضال في سبيل الكرامة الإنسانية.