IMLebanon

التغيير والترحيل

لبنان يتمزق، أو يكاد.

والحقيقة، ان لبنان ليس عدواً للحكام، وليس مناهضاً للحريات.

لكنه يقبع في واد.

ويقبع الآخرون في واد آخر.

إلاّ أن السلطة تتسلط على الناس، بدلاً من أن تحكمهم بالعدل.

السلطة بيدها قانون.

والسياسيون يعيشون في ظل الدستور.

لكن، لا السلطة بدت عادلة.

ولا السياسيون كانوا يحكمون بالعدل والقانون.

عندما ظهر الحراك المدني اعتقد الناس انه الخلاص الآتي اليهم.

لكنهم فوجئوا بأمرين، الأول أكثر سوءاً من الثاني.

والثاني أكثر بشاعة من الأول.

السلطة حمّلت قوى الأمن الهراوات.

والمتظاهرون، خلعوا ثيابهم في الشوارع، وراحوا يرمون القوى الأمنية بالحجارة.

فجأة، كان الناس مع القوى الأمنية، وأصبحوا ضدها، عندما سلّطت خراطيم المياه على المواطنين.

وعندما أمعن المواطنون في معاداتهم للقوى الأمنية، وجدوا ان الآمال المعلقة على الشباب، اندثرت بسرعة.

والناس، لا تريد، لا القوى الأمنية ولا الشباب، يتحولون الى مجرّد زعران.

قبل أكثر من نصف قرن، دخل الجيش الفرنسي، منزل الرئيس الاستقلالي الأول بشارة خليل الخوري، ومعه فرقة من العسكر السنغالي، واعتقلوه… وأخذوه الى قلعة راشيا حيث زجّوا فيها قادة الاستقلال.

ويروي الوزير الشيخ خليل الخوري بعد سنوات وحاكم مصرف لبنان ان الجنرال كاترو زار الشيخ بشارة، وأبلغه ان سلطات الانتداب ستفرج عن رجل الاستقلال.

لكنه قال لهم اننا في لبنان لسنا أعداء لفرنسا، بل للانتداب.

وأضاف في حديث الى مجلة الأمن العام اننا سنتسلّم الادارة اللبنانية. لأننا رواد بناء وطن، لا مجرد دمى في يد الاستعمار.

الآن، ثمة بلد من دون رئيس للجمهورية.

وثمة حكومة تعيش في الكوما.

وهناك مجلس النواب مدّد لنفسه مرتين.

وهنا أيضا أكثرية تحكم البلاد، لا بأكثرية ديمقراطية، لا بل بسلطة كاد رئيسها أن يذهبوا به الى الاعتقال.

هل كان أحد ينتظر، ان يحكم البلاد الغرباء، وقد قيّض لهم ان يقوده رجال كبار، من أمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والرئيس الشهيد رشيد كرامي، الى جانب رؤساء عظام من أمثال كميل شمعون وفؤاد شهاب وسليمان فرنجيه.

وان يواكبهم وزراء كبار من نوعيّة عادل عسيران وكامل الأسعد، وصبري حماده، ونبيه بري.

هؤلاء، إن اختلفوا، فانهم يختلفون على المبادئ.

وان اتفقوا فيتفقون على حماية الدستور، وعلى سبل تطويره.

أين لبنان اليوم، من لبنان ١٩٥٠، ولبنان ١٩٤٣ ولبنان ١٩٥١.

يقول المدير العام الحالي للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، إن اللبنانيين، لا يختلفون على أن لبنان الكيان والدولة في خطر داهم، وان وضعه لا يحتمل ترف الغوغائية أو أشكال المساجلات.

ويقول أيضاً إن المراقب المحايد، يتلمس من دون أدنى عناء، الوهن الذي أصاب الساحة اللبنانية، بعد العجز المتمادي، عن بناء الدولة القوية والعادلة والقادرة، ونزول الشعب الى الشارع للتعبير عن الغضب، من جراء عدم توافر شروط الحد الأدنى لحياة حرّة وكريمة.

كان المفكر السياسي نقولا الشاوي يردد بأن التعبير وحده، والتغيير في العقول وفي الذهنيات هو الطريق الى فكر جديد، متحرر من ماض سحيق في الرجعية والاهمال، وصولاً الى عصر جديد في التفكير والبناء.

هل هذا هو التغيير والترحيل وكلاهما مطروحان للخلاص من كوارث النفايات. –