بدايةٌ غير موفَّقةٍ، ومُقارباتٌ غير مُرضِيَةٍ لِمَن يَطيبُ لهم تَسمِيَتَهُم بنُوَّابِ الثَّورَة، نعم لم تكن إطلالاتُهم الإعلاميَّة بعد الانتخاباتِ موفَّقة، ولا أداءهم في المَجلسِ النِّيابي خلالَ أولى جلساتِ المجلِسِ التي خصِّصت لانتخابِ رئيسِه ونائب الرئيس.
على النُّواب التغييرين أن يعوا جيِّداً أن فوزهم بالإنتخاباتِ لم يكن نتيجةً لأدائهم ومواقِفِهِم، إنَّما جاءَ رَفضاً من الشَّعبِ والفئة المثقَّفةِ بالتَّحديدِ لأداءِ الطَّبقةِ الحاكِمَة، وانتِهاكِاتِها لكُلِّ النُّصوصِ النافِذَةِ وارتكابها لمُختلِفِ أنواعِ المُحرَمات، وفسادِها اللَّامَحدود من حيثُ الشَّكلِ والمَضمون. وعليكُم أن تعوا أن فوزَكُم بمَقعَدٍ نِيابي ينبغي ألاَّ يكون مُبتغاً بل هَدفاً مَرحَلِيَّاً تَنطلقونَ منه لتَحقيقِ أهدافٍ وَطنيَّةٍ وتَطلُّعاتِ الشَّعب الذي مَنحكُم ثِقتَه من دون أن يِعرِفَكُم، أو يَقتنِعَ ببرامِجِكُم الانتِخابيَّةِ غيرِ المَوجودَةِ أصلا إنما كمرتجى تغيريٍّ إصلاحي.
وأسمحُ لنفسي القولَ بأن بعضَكُم ورُبَّما مُعظَمَكُم بِتَعنُّتِهِ وسلوكِيَّاتِه الأنانِيَّةِ والتَّفردِيَّةِ التي ظَهَرَت جَليَّةً في عَمليَّةِ تَشكيلِ اللَّوائحِ الانتِخابِيَّةِ قد تسبَّبَ عن قصدٍ أم عن غيرِ قصدٍ في تقويضِ التَّوجُّهِ التَّغييري لدى الناخِبين، وضياعِ فرصةٍ قد لا تتكرّر، والمتمثِّلةِ في ظِلِّ النَّقمة الشَّعبيَّةِ على الطغمةِ الحاكِمة، والتي فيما لو أُحسِنَ استِغلالُها لكانت النتائجُ التَّغييرِيَّةِ أهم بكثير مما هي عليه اليوم. أقولُ ذلك من بابِ الموضوعيَّةِ والتَّجرُّدِ ووضعِ النُّقاطِ على الحُروف، وكي لا نسقطَ دائمةً بمقولةَ عفى الله عمَّا مضى.
ما ظهرَ من أدائكُم لغايَةِ اليومَ لا يبشِّرُ بالخيرِ، بل يوحي أنَّكُم لم تَستَقوا الدُّروسَ مِما حَصَلَ خِلالَ الانتِخاباتِ والفَترَةِ التحَّضيريَّةِ التي سَبَقَتها، وحتى خِلالَ مَرحَلَةِ الانتِفاضَةِ الشَّعبيَّةِ في السَّاحاتِ العامَّةِ والطُّرُقاتِ وأمامَ المَقارِّ الرَّسمِيَّة، حيث غَلَبَ على الشِّعاراتِ والخِطاباتِ والمَطالِبِ التي تمَّ إطلاقُها وتبنيها خِلالَ التَحرُّكاتِ الشَّعبيَّةِ النَّهضويَّة طابَعَ المقارباتِ المُرتَجلَةِ الفوضويَّةِ وغيرِ المَدروسَةِ والتي تفتقدُ إلى التّضنسيقِ حيثُ تخلَّلها ارتكابُ الكَثيرِ من الأخطاءِ التي أتاحَت الفُرَصَ أمامَ من هُم في السُّلطَةِ لِحرْفِ التَّحرُّكاتِ الشَّعبيَّةِ عن مَقاصِدِها، وتشويهِ صُورَتِها، وشَيطنَتِها، وإظهارِها كزمرٍ تخريبيَّةً هَمجِيَّةٍ حاقدةٍ على الرُّقِيِّ وغيرِ مَسؤولة. الأمرُ الذي مَكَّن السياسيين المخضرمينَ من تقويضِ عَزيمَةِ الشَّعبِ الثُّوارِ وشَرذَمَةِ جُهودِ المُنتفضين، وإضاعَةِ تَضحياتِهِم سُدى.
حذارِ الاستمرار بذاتِ المنهجيَّة، حذارِ تغليبِ الأنانيَّة، حذار التَّفرُّدِ في القرارات، حَذارِ الضَّعفِ أمام المُغرَيات، حذارِ التّشبُّثِ بالمواقِفِ والتَّعنُّتِ في الآراء، فتتشرذمون وتضيعُ جهودُكم وتَضعُفُ مواقِفُكُم وقُدرَتُكُم على التأثيرِ في صنعِ القرارِ ومتابعةِ مُجرياتِ الأمورِ السِّياسيَّة. بادِروا فَورا إلى التَّوحُّدِ في كِيانٍ له شَخصِيَّتهِ المَعنويَّة، وحُضورِهِ السِّياسي الوازن، وتعامَلوا مع باقي الكُتَلِ البَرلُمانِيَّةِ من النَّدِّ إلى النَّد، وقاربوا المسائلَ الوطنيَّةَ المطروحة بحس وطني وبكل مسؤوليَّة، بعيداً عن التّضفااتِ والعَنترياتِ والإسفافَ في التَّعابيرِ والتَّهجُّماتِ الجارجة والتطاولِ بالشَّخصي، لأن تلك اللاأدبيَّاتِ غير مُجديَةٍ بل تسيءُ إليكم ولِسمعتكم، وتعبِّرُ عن أدبيَّاتِكم.
أيها التَّغييريون، إن المُقارباتِ المرتجلةِ وغيرِ المدروسَةِ وغيرِ المُنسَّقةِ أو الخارِجَةِ عن الإجماعِ هي السَّببُ الأساسِ في الحؤولِ دون نجاحِ الانتِفاضَةِ الشَّعبِيَّة، ويضافُ إلى ذلك افتِقارُ الانتِفاضَةِ والتَّحرٌّكاتِ الشَّعبيَّةِ إلى مواكَبَةٍ فكريَّةِ سِياسِيَّةِ واقتِصادِيَّةٍ وماليَّةٍ ونَقدِيَّةٍ واجتِماعيِّة وعَدَمِ السَّعي غلى بلوَرَةِ رُؤيَةٍ وَطنِيَّةٍ إنقاذِيَّةٍ مُتكامِلَةٍ جامِعَةٍ ومُقولَبَةٍ في خِطَّةٍ استراتيجِيَّة، يُمكنُ ترجَمَتُها ببرنامَجٍ تَنفيذيٍّ وعَمَلِيٍّ قابِلٍ للتَّطبيق، كما حالَت تلك المقارباتُ الفوضويَّة ما دونَ رُقيَّ الانتفاضةِ إلى مُستوى الثَّورة المنظَّمةِ التي لها رؤيتها وإيديولوجيَّتها وبرنامجها. وأنبهكم اليومَ إلى أنكم فيما لو لم تَعملوا وَفقَ رُؤيَةٍ مُتكامِلَةٍ تُحاكي تَطلُّعاتِ من انتَخبوكُم، سَتدفعون الثَّمنَ غالِيا، وسَتحمِلون َ مَسؤوليَّةَ الفَشلِ على المُستوى الوَطَني.
أنتُم مَدعوُّونَ ومُنذُ اليمِ الأولِ لانتِخابِكم، لتَوحيدِ صُفوفِكُم، وتَكثيفِ جُهودِكُم، وتَعزيزِ مواقِفِكُم وتصويبِ أدائك، وترجَمَةِ مواقِفكم وجهودكم باقتِراحاتِ قَوانين إصلاحِيَّة، والضَّغطِ من أجلِ السَّيرِ بها، ورَفضِ إقرارِ أيَّةِ خُطَطٍ مَشبوهَة، أو تَمريرِ قوانينَ مُلتبِسَة، باختِصار عليكم المُبادَرَةُ فوراً لإعدادِ سَلَّةٍ من القوانين الإصلاحِيَّة، بدءاً بإصلاحاتٍ دُستورِيَّةٍ وَفقَ روحِيَّةِ اتفاقِ الطَّائف، تُستكمَلُ باقتِراحِ قانون انتِخاباتٍ عَصري يتيحُ المجالَ لتَحقيق تَمثيلٍ حَقيقي لمُختلفِ مُكوِّناتِ الشَّعب اللبناني، وقانونٍ آخرَ للأحزاب، وثالثٌ لمُكافَحَةِ الفَساد، ورابعٌ لللامركزيَّةِ الإدارِيّة …الخ، وبموازاةِ ذلك عليكُم التَّركيزُ على إيلاءِ الهُمومِ المَعيشيَّةِ للمواطنينَ الاهتِمامَ اللَّازِم، وإنصافَ المُوظَّفين بسعيكم إلى تَعديلِ سِلسِلَةِ الرُّتبِ والرَّواتِبِ كي يَتمكَّنوا من العَيشِ بكرامَةِ والتَّفرُّغِ لإحياءِ الإداراتِ والمؤسَّساتِ العامَّة، وإعادةِ النشاطاتِ إلى مختلفِ المَرافِقِ الحيويَّةِ في الدَّولَةِ والتَّقدُّمِ بحُلولٍ عَمليَّةٍ وسَريعَةٍ لإعادَةِ بِناءِ الثِّقةِ بالقِطاعِ المَصرِفي وإن اقتضى الأمر توفيرُ بعضِ الإغراءاتِ لمصارفَ أجنبيَّةٍ مشهودٌ لها بمصداقيَّتها وحياديَّاتها، وأوَّلُ الخطواتِ تكون بإقرارِ قانون يضمنُ حِمايَةَ أموالِ المُودِعين «كل المودعين»، ومن ثمّض قانونٌ يَكفَلُ استِعادَةَ الأموالِ التي هُرِّبَت إلى الخارِجِ، وطَلَبِ تَجميدِها للبَتِّ في مَدى مَشروعِيَّتها، وكونها غير ملوثة، وليست نتاج ممارساتٍ مشبوهةِ أو فاسدة.
وقبلَ كلِّ ذلكَ عليكُم المبادَرَةُ فَوراً ومن دون أي تأخير السَّعي تَشكيلِ لِجان تَحقيق برلُمانِيَّةٍ ذات طابَعٍ قَضائي، إحداها للتَّدقيقِ بكُشوفاتِ مَصرِفِ لبنان من الذَّهَبِ والعُملاتِ الصَّعبَة، وأُخرى للتَّحقيق والتَّحقُّقِ من صَوابِيَةِ السِّياساتِ المَصرِفِيَّةِ والنَّقدِيَّةِ التي اعتُمِدَت خلالَ سَنوات ما قَبلَ الانهيارِ الاقتِصادي والمَصرفي، وثالِثَةٌ لِمواكَبَةِ القراراتِ المالِيَّةِ والمَصرِفِيَّةِ والنَّقديَّةِ التي تَعتمَدُها المراجعُ المختصَّةُ في إدارَةِ الأزمَةِ المَعيشِيَّةِ الحالِيَّةِ ومدى صَوابيَّتِها، ومنعاً للمَزيدِ من الهدرِ تَبديدِ احتياطي مَصرِفِ لبنان من العُملاتِ الصَّعبَةِ والذَّهب، الذي بذِّرَ تحت عنوان دعمِ السِّلَعِ الضَّروريَّة، وما يبذَّرُ الآن تحت عنوان تحويلاتِ صيرفة، ومَنعاً لتَفويتِ فُرَصِ النُّهوضِ مُستقبلا.
وينبغي ألاّ يغربَ عن بالكُم أيها النُّوابُ التَّغييريون، العَملَ على تَشكيلِ لَجنَةِ تَحقيق برلُمانِيَّةٍ للتَّحقيقِ في قَضِيَّةِ انفِجارِ مَرفأ بيروت، أو على أقَلِّ تَقديرٍ لمُواكَبَةِ مُجرَياتِ التَّحقيقِ العَدلي القائمِ حالِيَّا، وضَمانِ حُسنِ سَيرِهِ ووصولِهِ إلى خواتيمِهِ وَفقَ روحِيَّةِ النُّصوصِ الدُّستورِيَّةِ والقانونيَّةِ النافِذَة، وتوفيرِ كُلِّ مُقتضياتِ تَحقيقِ العَدالَةِ الجِنائيَّةِ بإنزالِ العقوباتِ العادلةِ بحَقِّ المُتورطين من ذَوي النَّوايا الآثِمَة، كما المُهمِلين والمُقصِّرين وغيرِ المُحترِزين، سَواءَ كانوا مُحرِّضينَ أو شُركاءَ أو مُتدخِّلينَ في الجَريمَة.
وأخيراً وَصيَّتي لَكُم، أن تبذلوا كُلَّ الجُهدِ كي تَحولوا دون إيلاءِ أيِّ مَركَزٍ سِياسِيٍّ أو وَظيفيٍّ لكُلِّ من أقدَمَ على تَحويلِ أموالِهِ للخارِجِ خِلالَ ما يُمكِنُ تَسمِيتُهُ بفَترَةِ الرَّيبَةِ أي قبلَ ثلاثِ سَنواتٍ من انطِلاق ثورَةِ 17 تشرين. لكون هؤلاءِ الأشخاصِ هم من باعَ الوطن بحفنةٍ من الدولاراتِ، وكانوا أولَ المُتآمرين على عِملتِهِ الوَطَنِيَّة واستِقرارِهِ المَصرِفي والنَّقدي، كما عليكُم ألاَّ تَغفلوا عن كَشفَ من سَرَّبَ لهم المَعلوماتِ عن الوَضعِ النَّقدي أو أوحى لَهُم بتَهريبِ أموالِهِم للخارِجِ، وإيهامِ بل تضليلِ الرَّاي العامِ بأن الوضعِ المالي والنقدي على ما يرام. من غيرِ الإنصافِ إلاَّ يحالوا إلى القَضاءِ كمُساهِمين في جريمةِ التآمرِ على الوطن.